بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومنهم من انشق له القمر وكلمه البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك.
فلما أتوا بمثل هذه المعجزات، وعجز الخلق من أممهم عن أن يأتوا بمثله كان من تقدير الله عز وجل، ولطفه بعباده وحكمته، أن جعل أنبياءه مع هذه المعجزات في حال غالبين، وفي أخرى مغلوبين، وفي حال قاهرين، وفي حال مقهورين، ولو جعلهم عز وجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم لأتخذهم الناس آلهة من دون الله عز وجل، ولما عرف فضل صبرهم على البلاء والمحن الاختبار.
ولكنه عز وجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم، ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين، غير شامخين ولا متجبرين، وليعلم العباد أن لهم عليهم السلام إلها هو خالقهم ومدبرهم، فيعبدوه ويطيعوا رسله وتكون حجة الله تعالى ثابتة على من تجاوز الحد فيهم، وادعى لهم الربوبية، أو عاند وخالف وعصى وجحد بما أتت به الأنبياء والرسل، وليهلك من هلك عن بينة، ويحيى من حي عن بينة.
قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق: فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن الحسين ابن روح قدس الله روحه من الغد وأنا أقول في نفسي: أتراه ذكر ما ذكر لنا يوم أمس من عند نفسه؟ فابتدأني فقال لي: يا محمد بن إبراهيم لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أو تهوي بي الريح في مكان سحيق أحب إلي من أن أقول في دين الله تعالى ذكره برأيي ومن عند نفسي، بل ذلك عن الأصل، ومسموع عن الحجة صلوات الله عليه (1).
بيان: فتخطفني: أي تأخذني بسرعة، والسحيق: البعيد.