جاوزنا الشجرة ووردنا الماء فأدلى البراء بن عازب دلوه في البئر فاستقى دلوا أو دلوين، ثم انقطع الدلو فوقع في القليب، والقليب ضيق مظلم بعيد القعر، فسمعنا في أسفل القليب قهقهة وضحكا شديدا، فقال علي عليه السلام: من يرجع إلى عسكرنا فيأتينا بدلو ورشا؟ فقال أصحابه: من يستطيع ذلك؟ فائتزر بمئزر ونزل في القليب وما تزداد القهقهة إلا علوا، وجعل ينحدر في مراقي القليب إذ زلت رجله فسقط فيه، ثم سمعنا وجبة شديدة واضطرابا وغطيطا كغطيط المخنوق (1)، ثم نادى علي: الله أكبر الله أكبر أنا عبد الله وأخو رسول الله، هلموا قربكم فأفعمها وأصعدها على عنقه شيئا فشيئا، ومضى بين أيدينا فلم نر شيئا، فسمعنا صوتا:
أي فتى ليل أخي روعات * وأي سباق إلى الغايات لله در الغرر السادات * من هاشم الهامات والقامات مثل رسول الله ذي الآيات * أو كعلي كاشف الكربات كذا يكون المرء في الحاجات فارتجز أمير المؤمنين عليه السلام:
الليل هول يرهب المهيبا * ويذهل المشجع اللهيبا فإنني أهول منه دينا * ولست أخشى الروع والخطوبا إذا هززت الصارم القضيبا * أبصرت منه عجبا عجيبا وانتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وله زجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: ماذا رأيت في طريقك يا علي؟ فأخبره بخبره كله، فقال: إن الذي رأيته مثل ضربه الله لي ولمن حضر معي في وجهي هذا، قال علي عليه السلام اشرحه لي يا رسول الله فقال صلى الله عليه وآله: أما الرؤوس التي رأيتم لها ضجة ولألسنتها لجلجة فذلك مثل قوم معي يقولون بأفواهم ما ليس في قلوبهم، ولا يقبل الله منهم صرفا وعدلا، ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، وأما النيران بغير حطب ففتنة تكون في أمتي بعدي، القائم فيها والقاعد سواء، لا يقبل الله لهم عملا ولا يقيم لهم يوم القيامة وزنا، وأما الهاتف الذي هتف بك فذاك سلقعة وهو