فآتاهم الله أجرهم مرتين. والدليل على ما ذكرناه في أمر أبي طالب رحمه الله قوله في هذا الشعر بعينه:
ودعوتني وزعمت أنك ناصح * ولقد صدقت وكنت ثم أمينا فشهد بصدقه واعترف بنبوته وأقر بنصحه، وهذا محض الايمان على ما قدمناه.
انتهى كلامه رحمه الله (1) وقال السيد فخار بعد إيراد الاخبار التي أوردنا بعضها: وأما ما ذكره المخالفون من أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب عمه أبا طالب ويريد منه أن يؤمن به وهو لا يجيبه إلى ذلك، فأنزل الله تعالى في شأنه: (إنك لا تهدي من أحببت (2)) فإنه جهل بأسباب النزول، وتحامل (3) على عم الرسول، لان لهذه الآية ونزولها عند أهل العلم سببا معروفا وحديثا مأثورا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله ضرب بحربة في خده يوم حنين فسقط إلى الأرض، ثم قام وقد انكسرت رباعيته والدم يسيل على حر وجهه، فمسح وجهه ثم قال: اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون، فنزلت الآية، ووقعة حنين كانت بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله بثلاث سنين، والهجرة كانت بعد موت أبي طالب رحمه الله.
وقد روي لنزولها سبب آخر، وهو أن قوما ممن كانوا أظهروا الايمان بالنبي صلى الله عليه وآله تأخروا عنه عند هجرته (4) وأقاموا بمكة وأظهروا الكفر والرجوع إلى ما كانوا عليه، فبلغ خبرهم إلى النبي صلى الله عليه وآله والمسلمين، فاختلفوا في تسميتهم بالايمان، فقال فريق من المسلمين، هم مؤمنون وإنما أظهروا الكفر اضطرارا إليه، وقال آخرون: بل هم كفار وقد كانوا قادرين على الهجرة والإقامة على الايمان، فاجتمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وكان أشراف القوم يريدون منه أن يحكم لهم بالايمان لأرحام بينهم وبينهم، فأحب رسول الله أن ينزل ما يوافق محبة الاشراف من قومه لتألفهم، فلما سألوه عن حالهم قال: حتى يأتيني الوحي في ذلك، فأنزل الله في ذلك (إنك لا تهدي من أحببت) يريد: أنك لا