تحكم ولا تسمي ولا تشهد بالايمان لمن أحببت ولكن الله يحكم له ويسميه إذا كان مستحقا له، وهذا أيضا كان بعد موت أبي طالب بسنين (1).
وأيضا هذه الآية إذا تأملها المنصف تبين له أن نزولها في أبي طالب باطل من وجوه: أحدها أنه لا يجوز في حكمة الله تعالى أن يكره هداية أحد من عباده ولا أن يحب له الضلالة، كما لا يجوز في حكمته أن يأمر بالضلال وينهى عن الهدى والرشاد.
والآخر أنه إذا كان الله تعالى قد أخبر في كتابه أن النبي صلى الله عليه وآله كان يحب عمه أبا طالب في قوله: (إنك لا تهدي من أحببت) فقد ثبت حينئذ أن أبا طالب كان مؤمنا، لان الله تعالى قد نهى عن حب الكافرين في قوله: (لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله (2).
والآخر أنه إذا ثبت أن هذه الآية نزلت في أبي طالب فهي دالة على فضل أبي طالب وعلى مرتبته (3) في الايمان والهداية، وذلك أن هداية أبي طالب كانت من الله تعالى دون غيره من خلقه، وهو كان المتولي لها، وكان تقديره: أن أبا طالب الذي تحبه لم تهده يا محمد أنت بنفسك بل الله الذي تولى هدايته، فسبقت هدايته الدعوة له، وهذا أولى مما ذكروه، لعدم اشتماله على ارتكاب النبي صلى الله عليه وآله ما نهي عنه من حب الكافرين (4).
أقول: لقد أطنب رحمة الله عليه في رد أخبارهم الموضوعة وأجاد، وأورد كثيرا من القصص والاخبار والاشعار فليرجع إلى كتابه من أراد، وإنما جوزنا هناك بعض التطويل والتكرار لكون هذا المطلوب من مهمات مقاصد الاخبار، ولنذكر هنا قصة غريبة أوردها السيد فخار رحمه الله، قال: ولقد حكى الشيخ أبو الحسن علي بن أبي المجد الواعظ الواسطي بها في شهر رمضان سنة تسع وتسعين وخمسمائة عن والده قال: كنت أروي أبيات أبي طالب رضي الله عنه هذه القافية وانشد قوله فيها.