من سواهم من القراء على كثرتهم إنما هو من فعل المتأخرين، وقد تشعبت القراءات واختلفت كلمة القراء بعدما جمع عثمان الناس على قراءة زيد بن ثابت، وكتب المصاحف السبعة - على المشهور بين القراء - فبعث بواحد منها إلى الكوفة وبواحد إلى البصرة والى كل من الشام ومكة واليمن والبحرين بواحد وأمسك في المدينة مصحفا كانوا يقولون له: الامام، ثم لما كانت تلك المصاحف مجردة عن النقط وعلامة الاعراب ونحو ذلك، وكانت الكلمات المشتملة على حرف الألف مرسومة فيها بغير ألف، اختلفت القراءات بحسب ما تحتمله صورة الكتابة، فقرأ كل بما ظنه أولى من حيث المعنى أو من جهة قواعد العربية واللغة إلا في مواضع يسيرة لم يتفقوا على صورة الكتابة، والظاهر أنها نشأت من كتاب المصاحف السبعة، واختلافها إما لان كلا منهم كتب الكلمة بلغة كانت عنده أصح كالصراط - بالصاد والسين -، أو للسهو والغفلة، أو لاشتباه حصل في صورة الكتابة.
وبالجملة، جميع القراء المتأخرين عن عصر الصحابة السبعة وغيرهم يزعمون مطابقة قراءتهم لمصحف من مصاحف عثمان، بل للقراءة الواحدة التي جمع عثمان الناس عليها وأمر بترك ما سواها، فهذه القراءات إنما تشعبت عن مصاحف عثمان، ولذلك اشترط علماء القراءة في صحه القراءة ووجوب اعتبارها ثلاثة شروط: كونها منقولة عن الثقات، وكونها غير مخالفة للقواعد، وكونها مطابقة لرسم مصحف من تلك المصاحف بحيث تحتملها صورة الكتابة وإن كانت محتملة لغيرها، وادعوا انعقاد الاجماع على صحة كل قراءة كانت كذلك، ولما كثر اختلاف القراء وتكثرت القراءات الصحيحة عندهم جرى المتأخرون منهم على سنة عثمان في إبطال القراءات، فاقتصر طائفة منهم على السبعة، وزاد طائفة ثلاثة، وزاد بعضهم على العشرة، وطرح بعضهم الثلاثة من العشرة، وزاد عشرين رجلا، وزاد الطبري على السبعة نحو خمسة عشر رجلا (1)، وقد فعلوا