رسول الله صلى الله عليه وآله الغداة انحدر في وادي حنين وهو واد له انحدار بعيد، وكانت بنو سليم على مقدمته فخرج عليهم (1) كتائب هوازن من كل ناحية، فانهزمت بنو سليم، وانهزم من وراءهم، ولم يبق أحد إلا انهزم، وبقي أمير المؤمنين عليه السلام يقاتلهم في نفر قليل (2) ومر المنهزمون برسول الله صلى الله عليه وآله لا يلوون على شئ، وكان العباس آخذا بلجام بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله عن يمينه، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب عن يساره، فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله ينادي: " يا معشر الأنصار أين؟ إلي (3)، أنا رسول الله " فلم يلو أحد عليه، وكانت نسيبة بنت كعب المازنية تحثو في وجوه المنهزمين التراب، وتقول، أين (4) تفرون؟ عن الله وعن رسوله؟ ومر بها عمر فقالت له: ويلك ما هذا الذي صنعت؟ فقال لها: هذا أمر الله، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله الهزيمة ركض نحو علي بغلته فرآه (5) قد شهر سيفه فقال: (6) يا عباس اصعد هذا الظرب، وناد: يا أصحاب البقرة (7) ويا أصحاب الشجرة، إلى أين تفرون؟
هذا رسول الله، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وآله يده فقال: " اللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان " فنزل (8) جبرئيل فقال: يا رسول الله دعوت بما دعا به موسى حيث فلق له البحر، ونجاه من فرعون، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله لأبي سفيان بن الحارث: ناولني كفا من حصى، فناوله فرماه في وجوه المشركين ثم قال: " شاهت الوجوه " ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: " اللهم إن تهلك هذه العصابة لم تعبد