" ولا تطع من أغفلنا قلبه " (1) وبالاقساء في قوله تعالى " وجعلنا قلوبهم قاسية " (2) وهي من حيث إن الممكنات بأسرها مستندة إلى الله واقعة بقدرته استندت إليه، ومن حيث إنها مسببة مما اقترفوه بدليل قوله: " بل طبع الله عليها بكفرهم " (3) وقوله تعالى: " ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم " (4) وردت الآية ناعية عليهم (5) شناعة صفتهم ووخامة عاقبتهم، واضطرت المعتزلة فيه فذكروا وجوها من التأويل:
الأول: أن القوم لما أعرضوا عن الحق وتمكن ذلك في قلوبهم حتى صار كالطبيعة لهم شبه بالوصف الخلقي المجبول عليه.
الثاني: أن المراد به تمثيل حال قلوبهم بقلوب البهائم التي خلقها الله تعالى خالية عن الفطن أو قلوب مقدر ختم الله عليها; ونظيره: سال به الوادي: إذا هلك، وطارت به العنقاء: إذا طالت غيبته.
الثالث: أن ذلك في الحقيقة فعل الشيطان، أو الكافر لكن لما كان صدوره عنه بإقداره تعالى إياه أسنده إليه إسناد الفعل إلى السبب.
الرابع: أن أعراقهم لما رسخت في الكفر واستحكمت بحيث لم يبق طريق إلى تحصيل إيمانهم سوى الالجاء والقسر ثم لم يقسرهم إبقاءا على غرض التكليف عبر عن تركه بالختم، فإنه سد لايمانهم، وفيه إشعار على ترامي أمرهم في الغي وتناهي انهماكهم في الضلال والبغي.
الخامس: أن يكون حكاية لما كانت الكفرة يقولون مثل: " قلوبنا في أكنة مما تدعوننا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب " (6) تهكما واستهزاءا بهم، كقوله تعالى: " لم يكن الذين كفروا " (7) الآية.