النقع (1) الذي أرى على وجهك أشد من مصابهما.
وروي: أن صلة بن أشيم كان في مغزي له، ومعه ابن له، فقال لابنه: أي بني تقدم فقاتل حتى أحتسبك، فحمل فقاتل فقتل، ثم تقدم أبوه فقاتل فقتل، قال:
فاجتمع النساء عند أمه معاذة العدوية زوجة صلة، فقالت لهن: مرحبا بكن إن كنتن (جئتن لتهنئتي) (2) وإن كنتن جئتن لغير ذلك فارجعن.
وروي: أن عجوزا من بني بكر بن كلاب كان يتحدث قومها عن عقلها وسدادها، فأخبر بعض من حضرها، وقد مات ابن لها، وكان واحدها، وقد طالت علته، وأحسنت تمريضه، فلما مات قعدت بفنائك، وحضرها قومها، فأقبلت على شيخ منهم فقالت: يا فلان، ما حق من أسبغت عليه النعمة، وألبس العافية، واعتدلت به النظرة، أن لا يعجز عن التوثق لنفسه قبل حل عقدته والحلول بعقوته (3)، ينزل الموت بداره، فيحول بينه وبين نفسه؟ ثم أنشأت تقول شعرا:
هو ابني وأنسي أجره لي وعزني * على نفسه رب إليه ولاؤها فإن أحتسب أوجر وإن أبكه أكن * كباكية لم يغن شيئا بكاؤها فقال لها الشيخ: إننا لم نزل نسمع أن الجزع إنما هو للنساء، فلا يجز عن أحد بعدك، ولقد كرم صبرك، وما أشبهت النساء فقالت له: إنه ما ميز امرؤ بن جزع وصبر، إلا وجد بينهما منهجين بعيدي التفاوت في حالتيهما:
أما الصبر: فحسن العلانية، محمود العاقبة.
وأما الجزع: فغير معرض شيئا مع إثمه.
ولو كان في صورة رجلين، لكان الصبر أولاهما بالغلبة، وبحسن الصورة، وكرم الطبيعة في عاجل الدين وآجله في الثواب، وكفى بما وعد الله عز وجل لمن ألهمه إياه.
وعن جويرية بن أسماء: أن ثلاثة أخوة شهدوا تستر، واستشهدوا، وبلغ ذلك أمهم، فقالت: مقبلين أم مدبرين؟ فقيل لها: بل مقبلين، فقالت الحمد لله، نالوا والله الفوز، وحاطوا الذمار بنفسي هم وأبي وأمي، وما تأوهت، ولا دمعت لها عين.