فقال عبد الله بن عمر: [حسبك] يا أبا محمد، فما أردت إلا خيرا، وما كان ذكر لقبك إلا [جهة].
وكلم القوم عبد الله بن الحارث فسألوه الكف عنه، فقال: قد تركت أشياء هي أشد عليه وأنكأ له، وسأتركها لكلامكم. فأما ذكر لقبه لي فوالله لا أتركه:
اعلموا أن الألقاب على وجهين، منها: ما يكون من الأمهات والضرات، ومنها ما يكون من فعل القبيح يفعله الرجل فيلزمه ذلك لقبا وعارا، وإن لقبي بشيء لم أكتسبه، كنت صبيا فكنت إذا أردت أن أقول: " أبه " قلت: " ببه "، فسمتني أمي " ببه "، وكانت تبعثني فتقول:
لأنكحن ببه جارية خدبة بين الصفا والكعبة وإن لقبه هو أجلبه لنفسه، وذلك أنه خرج يوما مع غلمانه يصطادون الضباب، فرأوا ضبا (1) فسبقوا ليأخذوه، فسبقهم فدخل جحره، فقالوا: لو كان لنا ظربان (2) كان يضع دبره على فم الجحر، ولا يزال يفسو إلى أن يخرج الضب إذا ضجر؟ فقال:
ها أنا ظربانكم! فوضع دبره على فم الجحر، وما زال يفسوا حتى ضجر الضب وخرج فأخذوه، فلقبوه ظربانا.
ثم قال: ناشدتك الله يا بن عمر، كان كذلك؟! فقال ابن عمر: إن أعظم الأمر توقيفك إياي على هذا وتناشدني، فقال لقومه:... فاجعلني من مناشدتي في حل (3) يا أبا عبد الرحمن.
فشاع الحديث في البلد وبلغ عبد الله بن أبي سفيان بن الحرب، وكان يلقب أبا الضباب، فأنشأ يقول:
لعمري لقد لاقى الذي كان أهله * أخا عدي فالجهالة قد تردي