قال: ثم دعا رسول الله رجلا من أصحابه فوجهه نحو البئر، وقد سمع كلام رسول الله للرجل الأول حيث قال: أما إنك لو مضيت لوجهك وحيث أمرتك ما نالك منهم مكروه.
قال سلمة: ومضى الرجل نحو الماء وجعل يرتجز ويقول:
أمن عزيف الجن في دوح السلم * ينكل من وجهه خير الأمم من قبل أن يبلغ آبار العلم * فيستقي والليل مبسوط الظلم ويأمن الذم وتوبيخ الكلم ثم مضى حتى إذا كان في ذلك الموضع سمع وسمعنا من الشجر ذلك الحس وتلك الحركة، فذعرنا ذعرا شديدا حتى لم يستطع أحدنا أن يكلم صاحبه، فرجعنا معه لم نملك أنفسنا.
فقال رسول الله للرجل: " ما هالك؟ ".
فقال: يا رسول الله، والذي بعثك بالحق، لقد ذعرت ذعرا شديدا ما ذعرت مثله قط، وقلنا ذلك معه.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): " تلك عصابة من الجن هولوا عليكم، لو سرت حيث أمرتك لما رأيت إلا خيرا، ولرأيت فيه عبرة ولم تر سوءا ".
قال: واشتد العطش بالمسلمين، وكره رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يهجم في الشجر والوغل ليلا، فدعا عليا (عليه السلام)، فأقبل إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: " سر مع هؤلاء السقاة حتى ترد بئر ذات العلم فتستقي وتعود إن شاء الله تعالى ".
قال سلمة: فخرج علي أمامنا ونحن في أثره والقراب في أعناقنا وسيوفنا بأيدينا، وإنا لنسرع خلفه وما نلحقه، وهو يقول:
أعوذ بالرحمن أن أميلا * من عزف جن أظهرت تهويلا وأوقدت نيرانها تغويلا * وقرعت مع عزفها طبولا قال: فسار ونحن معه، فسمع تلك الحركة وذلك الحس، فدخلنا من الرعب