عبد المدان وجميع بنى الحارث بن كعب، ومن ضوي إليهم 1، ونزل بهم من دهماء الناس على اختلافهم هناك في دين النصرانية من الاروسية والسالوسية وأصحاب دين الملك والمارونية والعباد والنسطورية، وأملأت قلوبهم على تفاوت منازلهم رهبة منه ورعبا، فإنهم كذلك من شأنهم.
إذا وردت عليهم رسل رسول الله صلى الله عليه وآله بكتابه، وهم عتبة بن غزوان وعبد الله بن أبي أمية والهدير بن عبد الله أخو تيم بن مرة وصهيب بن سنان أخو النمر بن قاسط، يدعوهم إلى الاسلام، فان أجابوا فاخوان، وان أبوا واستكبروا فإلى الخطة 3 المخزنية 4 إلى أداء الجزية عن يد، فان رغبوا عما دعاهم إليه من أحد المنزلين 5 وعندوا فقد آذانهم على سواء، وكان في كتابه صلى الله عليه وآله:
(قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم الا نعبد الا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فان تولوا فقولوا اشهدوا بانا مسلمون) 6.
قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله لا يقاتل قوما حتى يدعوهم، فازداد القوم لورود رسل نبي الله صلى الله عليه وآله وكتابه نفورا وامتزاجا، ففزعوا لذلك إلى بيعتهم العظمى وأمروا، ففرش أرضها وألبس جدرها بالحرير والديباج، ورفعوا الصليب الأعظم، وكان من ذهب مرصع، انفذه إليهم قيصر الأكبر، وحضر ذلك بنى الحارث بن كعب، وكانوا ليوث الحرب فرسان الناس، قد عرفت العرب ذلك لهم في قديم أيامهم في الجاهلية.
فاجتمع القوم جميعا للمشورة والنظر في أمورهم، وأسرعت إليهم القبائل من مذحج، وعك وحمير وانمار، ومن دنا منهم نسبا ودارا من قبائل سبا، وكلهم قد ورم انفه غضبا