بها الخرسات بأنواع اللغات، بخوعا 1 له بأنه فاطر الأرضين والسماوات، واستشهدهم خلقه وولاهم ما شاء من أمره.
جعلهم تراجم مشيته وألسن ارادته، عبيدا لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، ولا يشفعون الا لمن ارتضى، وهم من خشيته مشفقون، يحكمون باحكامه ويستنون بسنته، ويعتمدون حدوده، ويؤدون فرضه.
ولم يدع الخلق في بهم صما ولا في عمى بكما، بل جعل لهم عقولا مازجت شواهدهم، وتفرقت في هياكلهم، حققها في نفوسهم واستعد لها حواسهم، فقرر بها على اسماع ونواظر وأفكار وخواطر، ألزمهم بها حجته واراهم بها محجته وانطقهم عما شهدته بألسن ذرية بما قام فيها من قدرته وحكمته، وبين عندهم بها (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) 2، وان الله لسميع عليم، بصير شاهد خبير.
وان الله تعالى جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، لا يقوم أحدهما الا بصاحبه، ليكمل لكم عندكم، جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفوا بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلك بكم منهاج قصده، ويوفر عليكم هنيئ رفده.
فجعل الجمعة مجمعا ندب إليه 3 لتطهير ما كان قبله، وغسل ما أوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله، وذكرى للمؤمنين وتبيان خشية المتقين، ووهب لأهل طاعته في الأيام قبله وجعله لا يتم الا بالايتمار لما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه، والبخوع بطاعته فيما حث عليه وندب إليه، ولا يقبل توحيده الا بالاعتراف لنبيه صلى الله عليه وآله بنبوته، ولا يقبل دينا الا بولاية من أمر بولايته، ولا ينتظم أسباب طاعته الا بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته.
فأنزل على نبيه صلى الله عليه وآله في يوم الدوح ما بين فيه عن ارادته في خلصائه