يعرفوا نهايتها، ولم يقفوا على طبائع العالم، وكيف يستعان بها على الافعال، ولم يحيطوا علما بأكثرهم، ولم يأتوهم (1) في مظانهم، ولا امتحنوا قواهم، ومبالغ حيلهم، ومخرقة أصحاب الخفة، وأشكالهم.
الجواب عنه أن يقال: قد لزم النفس العلم لزوما لا يقدر على دفعه، بأن ما ذكروا ليس في العالم، كما لزمها العلم بأن ليس في العالم حجر إذا أمسكه الانسان عاش أبدا، وإذا وضعه على الموات عاد حيوانا، وإذا وضعه على العين العمياء عادت صحيحة، ولا فيه ما يرد الرجل المقطوعة، ولا ما به يزال الزمانة (2) الحالة، ولا فيه شئ يجذب به الشمس والقمر من أماكنهما.
فلما لزم النفس علم ما ذكرناه كذلك لزم العلم للنفس بأن ليس في العالم حجر يجذب الشجر من أماكنها، ويشق به البحور، ويحيي به الأموات.
وأيضا فان حجر المغناطيس لما كان موجودا في العالم، طلبه ذوو الحاجة إليه حتى قدروا عليه، لما فيه من الأعجوبة وخاصة أمره، ولإرادة التكسب به واستخراج نصل السهم من البدن.
فلو كان فيه حجر أو شئ مثله يجذب الشجر، فإنه كان أعز من حجر المغناطيس وكان سبيله سبيل الجواهر في عزها، لا يخفى على من في العالم.
وهيئتها كالجوهر الذي يقال له: " الكبريت الأحمر " ولعزته ضرب به المثل فقيل: " أعز من الكبريت الأحمر " (3) وكانت الملوك أقدر على هذا الحجر، كما هم أقدر على ما عز من الأدوية والسموم وغيرها من الأشياء العزيزة.