أصحابه إذ قام رجل فشق قميصه فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى! قل له: لا تشق قميصك ولكن اشرح لي عن قلبك. ثم قال: مر موسى بن عمران (عليه السلام) برجل من أصحابه وهو ساجد فانصرف من حاجته وهو ساجد على حاله فقال له موسى (عليه السلام) لو كانت حاجتك بيدي لقضيتها لك فأوحى الله عز وجل إليه: يا موسى لو سجد حتى ينقطع عنقه ما قبلته حتى يتحول عما أكره إلى ما أحب.
* الشرح:
(إن قدرتم أن لا تعرفوا) بأشخاصكم أو بأعمالكم الصالحة وأخلاقكم الفاضلة (فافعلوا) فإن فيه نجاة من الآفات والبليات الواردة من أبناء الزمان وزيادة تقرب من الرحمن (وما عليك إن لم يثن الناس عليك) العاقل اللبيب لا يرضى بثناء الناس عليه لعلمه بأنه قد يوجب الفخر والكبر والغفلة عن التقصير والرضا بالعمل والغرة وكل ذلك من المهلكات، ولو فرض طهارة نفسه عن قبول أمثال ذلك فيعلم أن الثناء لا يليق إلا بالله عز وجل فلا يريده لنفسه تعظيما له.
(وما عليك أن تكون مذموما عند الناس) المراد بالناس أهل الدنيا والمخالفون والفجار لأنهم الذين يذمون الفقراء والعلماء والصلحاء من أهل الدين لكون أطوارهم الحسنة خلاف ما نشأوا هؤلاء عليه، وقوانينهم الشرعية والعقلية خلاف قوانينهم الموضوعة بينهم، وفيه ترغيب في اختيار ما يوجب الحمد عند الله تعالى وإن كان ذلك ما يوجب الذم عند الناس.
(إذا كنت محمودا عند الله تبارك وتعالى) بفعل ما يوجب رضاه وترك ما يوجب سخطه.
(إن أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يقول: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين) حصر الخير في فعل رجلين (رجل يزداد فيها) أي في الدنيا (كل يوم إحسانا) إلى نفسه بالعلم والعمل وإلى الغير بالتعليم والإرشاد إلى ما فيه صلاحه في الدنيا والآخرة حتى روي أن من ساوى يوماه فهو مغبون (ورجل يتدارك منيته بالتوبة) والرجوع إليه تعالى: الندم على ما فعل والعزم الثابت على عدم العود إليه، والمنية إما بفتح الميم وكسر النون وشد الياء وهي الموت وجمعها المنايا من «مناه الله عليك» إذا قدره، وسمي بها لأنه مقدر بوقت مخصوص، أو بسكون النون وضم الميم أو كسرها ما أرادته نفسك من الأباطيل وإنما حصر الخير فيهما لأن كل خير غيرهما فهو باطل زائل والزائل لا عبرة به (ورضي بقوته نصف مد كل يوم) من أي جنس وجده والمؤمن الخالص يحترز عن كثرة الأكل لما يتصور في البطنة من ذهاب الفطنة وزوال الرقة وحدوث القسوة والكسالة وسائر ما يترتب عليها من المفاسد (وما يستر به عورته) من أي جنس وجده (وما أكن به رأسه) من العمامة ونحوها أو البيت.
(وهم مع ذلك والله خائفون وجلون) أفرد ضمير الموصول سابقا وجمعه هنا نظرا إلى اللفظ والمعنى، والوجل: الفزع، وهو في الأصل الخوف ثم كثر إطلاقه على