ابن شاهك في بغداد (الحمد لله العلي العظيم) أي العلي عن المشابهة بالمخلوقين والإحاطة به وصف الواصفين، العظيم بذاته وصفاته فذاته في أعلى مراتب الجلال وصفاته في أقصى مراتب الكمال وكل ما سواه بالإضافة إليه حقير صغير محتاج فقير (الذي بعظمته ونوره أبصر قلوب المؤمنين...) الظاهر أن الباء للسببية إذ الإبصار والمعاداة والابتغاء وقعت بسببهما بيان ذلك أن عظمته المطلقة وكبرياءه تقتضي معرفة جميع ما سواه إياه وانقيادهم له في أوامره ونواهيه وابتهالهم في ذل الحاجة إليه، ولا يتحقق ذلك إلا بوضع علم بجميع ما يحتاجون إليه في صدر رسول ومن ينوب منابه وهذا العلم يسمى تارة بالنور لاهتداء الخلق به وتارة بالعرش لاستقرار العظمة وجميع المخلوقات فيه فبسبب نوره وعظمته المقتضية له أبصر قلوب المؤمنين سبل الحق وطرق الخيرات وكيفية سلوكها.
(وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون) بإنكاره أو إنكار رسوله أو إنكار وليه ووصي رسوله حتى توقفوا وتحيروا في سبيله الحق ولو لم يكن العظمة والنور لم يتصور الإبصار والمعاداة والابتغاء.
وقد أشار إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله «ومضيت بنور الله حين وقفوا» أرد (عليه السلام) أن سلوكه لسبيل الله على وفق العلم وهو نور الله الذي لا يضل من اهتدى به وذلك حين وقفوا حائرين مترددين جاهلين بالقصد وكيفية سلوك الطريق وكان غرضه (عليه السلام) هو التنبيه على أن هذه الفضيلة كانت فيه لا في غيره فلا يجوز تقديم الغير عليه، وكذلك بعظمته ونوره ابتغى الخلق كلهم الوسيلة والتقرب إليه بالأعمال المختلفة والأديان المتضادة حيث علموا أنه مستحق للتقرب به، فمنهم من اقتفى نوره واتخذ دينا حقا وعمل عملا على وفقه، ومنهم من مزجه بظلمة الجهل وحصلت له شبهة واتخذ دينا باطلا وعمل عملا باطلا فظن أنه وسيلة التقرب به.
كما فرع عليه ذلك بقوله (فمصيب) في العقد والعمل (ومخطىء) فيهما (وضال) في الدين (ومهتد) فيه (وسميع) يسمع نداء الحق وآياته الداعية إليه وإلى رسوله وولاة الأمر (وأصم) لا يسمع شيئا من ذلك ولا يعمل به (وبصير) يدرك مراد الله تعالى والمطالب الحقيقية والأسرار الإلهية وما نطق به القرآن الكريم والرسول العظيم (وأعمى حيران) لا يدرك شيئا منها فهو حيران في أمر الدين لا يهتدي إلى الأئمة الهداة دليلا ولا إلى مطالب الشرع سبيلا.
(فالحمد لله عرف) في بعض النسخ «عز» (ووصف دينه محمدا صلى الله عليه وآله وسلم) أي بينه وأوضحه. والدين الطريقة الإلهية التي شرعها لعباده واستعبدهم بها.
(أما بعد فإنك امرؤ أنزلك الله من آل محمد بمنزلة خاصة) هي بمنزلة المحبة والقرب والطاعة والانقياد والتسليم لهم، وفيه مدح عظيم لعلي بن سويد، والسند الثاني صحيح إلا أن فيه شهادة لنفسه ففي إثبات مدحه بذلك نظر، فضلا عن توثيقه كما صرح به الفاضل الإسترابادي في حاشية