قوله (قال ثلاثة لم ينج منها نبي فمن دونه: التفكر في الوسوسة في الخلق والطيرة والحسد) الوسوسة بالفتح والوسواس بالكسر مصدران بمعنى الأفكار وحديث النفس والشيطان بما لا نفع ولا خير فيه، ورجل موسوس على صيغة المفعول إذا غلب عليه الوسوسة، والوسواس بالفتح الاسم وهو ما خطر في القلب من شر ومرض يحدث من غلبة السوداء ولا يضر إذا لم يتمكن فيه سواء كان متعلقا بالأصول أم بغيرها مثل أن يخطر بقلب رجل كيف خلق الله الأشياء بلا مادة أو لم خلق بعضها أو كيف يكون هو موجودا بلا موجد وأمثال ذلك، وقد روي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال:
جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: يا رسول الله هلكت، فقال له: أتاك الخبيث فقال لك من خلقك؟
فقلت الله، فقال لك: الله من خلقه فقال: إي والذي بعثك بالحق لكان كذا، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
ذلك والله محض الإيمان، قال أبو عبد الله (عليه السلام) إنه إنما قال هذا والله محض الإيمان خوفه أن يكون قد هلك حيث عرض ذلك في قلبه) وروي «أنكم إذا وجدتم مثل ذلك قولوا لا إله إلا الله» وروي أيضا «قولوا آمنا بالله وبرسوله ولا حول ولا قوة إلا بالله». والطيرة بفتح الياء كعنبة: التشؤم وهي مصدر يطير طيرة كيخير خيرة، قال عياض: لم يأت من المصادر على هذا الوزن غيرهما، وبعضهم يقول طيرة بسكون الياء، وقال الزجاج: اشتقاق الطيرة أما من الطيران لأن الإنسان إذا تشأم بشيء كرهه تباعد عنه فشبه سرعة إعراضه عنه بالطيران، وإما من الطير لأنهم كانوا يستعملونه من زجر الطير ويتشأمون ببعضها وقال صاحب المصباح: الطيرة وزان عنبة هي التشؤم، وكانت العرب إذا أرادت المضي لمهم مرت بمجائم الطير وأثارتها ليستفيد هل تمضي أو ترجع فنهى الشارع عن ذلك. «وقال: لا هام ولا طيرة» وقال: «وأقروا الطير في وكناتها» أي على مجاثمها، وقال المازري:
كانوا يتطيرون بالسوارح والبوارح وكانوا ينشرون الطير والظباء فإذا أخذ ذات اليمين تبركوا ومضوا لحاجتهم وإذا أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحوائجهم فكان ذلك يطردهم في كثير من الأوقات عن مقاصدهم، وهذا أمر وهمي أبطله الشرع بقوله: ولا طيرة، وأخبر أن ذلك لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا وسيجئ نفي الطيرة إن شاء الله تعالى، والحسد أن يرى الرجل لأخيه نعمة فيتمنى أن تزول ولا تزول عنه وتكون له دونه أو تزول عنه مطلقا (إلا أن المؤمن لا يستعمل حسده) أي لا يستعمله قولا وفعلا وقلبا بالتفكر في كيفية اجرائه على المحسود وإزالة نعمه، وفيه دلالة على أن هذه الأمور لا إثم بها، وقد مر توضيح ذلك في آخر كتاب الأصول.
* الأصل:
87 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن محمد الجوهري، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي إبراهيم (عليه السلام) قال: قال لي: إني لموعوك منذ سبعة أشهر ولقد وعك ابني اثني عشر شهرا وهي تضاعف علينا أشعرت أنها لا تأخذ في الجسد كله