(وتزهق أنفسهم وهم كافرون) بالله ورسوله واليوم الآخر. والزهوق: الخروج بصعوبة، كذا ذكر القاضي وغيره.
(وكذلك الإيمان لا يضر معه العمل، وكذلك الكفر لا ينفع معه العمل) مر تفسير هذا بعينه في آخر كتاب الإيمان والكفر، ولعل المراد بالعمل الأول العمل الحقير القليل وبالعمل الثاني العمل العظيم الكثير فإن قليل العمل مع الإيمان مقبول وكثير العمل مع الكفر غير مقبول، ويحتمل أن يراد بالضرر الضرر الموجب للخلود في النار، وبالنفع النفع الموجب للدخول في الجنة.
ومما يدل على أنه لابد في هذا الخبر من التأويل ما روي عن محمد بن مارد قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) حديث روى لنا أنك قلت إذا عرفت «يعني الولاية» فاعمل ما شئت، فقال: «قد قلت ذلك» قال: قلت: وإن زنوا وسرقوا أو شربوا الخمر، فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون ما أنصفونا أن يكون أخذنا بالعمل ووضع عنهم إنما قلت إذا عرفت فاعمل ما شئت من قليل الخير وكثيره فإنه يقبل منك).
(ثم قال: إن تكونوا وحدانيين فقد كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وحدانيا يدعو الناس فلا يستجيبون له) في النهاية الوحداني: المفارق للجماعة المنفرد بنفسه وهو منسوب إلى الوحدة، الانفراد بزيادة الألف والنون أي أن تكونوا منفردين قليلين فاصبروا ولا تحزنوا فإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) مع شرف ذاته وكمال صفاته كان وحدانيا يدعو الناس إلى الحق بالبراهين الساطعة والمعجزات اللامعة فلا يستجيبون له جهالة أو حسدا أو حبا للدنيا، وفيه تسلية للشيعة في قلتهم ودفع لتوهم من ضعف عقله أن الحق مع الكثرة لعدم تفطنه بأن أكثر الناس في أكثر الأزمنة كانوا كافرين خارجين عن دين الحق، وقد مر التصريح بذلك في أول كتاب الأصول.
(وكان أول من استجاب له علي بن أبي طالب (عليه السلام)) أشار إلى أنه (عليه السلام) أول من أسلم من الذكور، والروايات عندنا وعندهم في ذلك متظافرة، والظاهر أنه لا ينكره أحد إلا أن بعض النواصب قال:
إسلامه لم يكن معتبرا لكونه قبل البلوغ.
وأجيب عنه: أولا بأنا لا نسلم ذلك، ومستنده وجوه، منها: رواية شداد بن أوس، قال: سألت خباب بن الأرت عن سن علي بن أبي طالب يوم أسلم؟ قال: أسلم وهو ابن خمسة عشر سنة وهو يومئذ بالغ مستحكم البلوغ، ومنها ما رواه أبو قتادة عن الحسن أن أول من أسلم علي بن أبي طالب وهو ابن خمسة عشر سنة، ولو سلم فلا يتصور الكفر في حقه إذ كان مولودا على الفطرة فمعنى الإسلام إذن دخوله في طاعة الله ورسوله والاستسلام لأوامرهما، فالإيمان الحاصل له وارد على نفس قدسية لم يتدنس بأدناس جاهلية وعبادة الأصنام والعقائد الباطلة المتضادة للحق التي صارت ملكات في نفس من أسلم بعد علو السن وشرب الخمر والشرك بالله، فكان إسلامه أشرف وأكمل من إسلام غيره، وكانت غاية حال الغير أن يمحوا بالرياضة من نفوسهم الآثار الباطلة والملكات الردية فأين أحدهما من الآخر.
(وقد قال رسول الله: أنت مني بمنزلة