إنما هو لأهل الإسلام دون المشركين (فيركب بعضهم بعضا) لكثرتهم وضيق مسلكهم (ويزدحمون دونها) أي يدفع بعضهم بعضا. يقال: زحمه الناس إذا دفعوه في مضيق.
(فيمنعون من المضي) لازدحامهم عما هو المطلوب منهم في تلك العقبة فيمنعون (فتشتد أنفاسهم ويكثر عرقهم) في كتاب مسلم عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق كمقدار ميل فيكون للناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه ومنهم من يكون إلى حقويه ومنهم من يلجمه العرق إلجاما» وأشار رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى فيه. وفي رواية أخرى قال: «إن العرق ليذهب في الأرض سبعين باعا وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم». قال عياض: يحتمل أنه عرق نفسه بقدر خوفه لما شاهد من الأهوال ويحتمل أنه عرق نفسه وعرق غيره يختلط ويصير لكل بقدر عمله، وهذا الازدحام وانضمام بعضهم إلى بعض حتى يصير العرق بينهم سايحا على وجه الأرض.
وقال القرطبي: العرق للزحام ودنو الشمس حتى تغلى منها الرؤوس وحرارة الأنفاس. فإن قيل:
لزم أن يسبح الجميع فيه سبحا واحدا ولا يتفاضلون في القدر، قيل يزول هذا الاستبعاد بأن يخلق الله تعالى في الأرض التي تحت كل أحد ارتفاعا بقدر عمله فيرتفع العرق بقدر ذلك.
وجواب ثان وهو أن يحشر الناس جماعات متفرقة فتحشر من بلغ كعبيه إلى جهة ومن بلغ حقويه في جهة، انتهى.
(قال فيشرف الجبار تبارك وتعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة) العرش يطلق على معان ولعل المراد منه الجسم المحيط أو العرش الذي هو مطاف الملائكة، والظلال جمع الظل وهو من كل شيء شخصه ومن بيان لها، والإشراف على الشيء الاطلاع عليه من فوق وهو يستلزم العلم به على وجه الكمال، وإذا نسب إليه تعالى يراد به هذا اللازم أو هو تمثيل، وكونه فوق العرش وفي ظلال من الملائكة صحيح لأنه فوق كل شيء بالعلية والشرف والرتبة والاستيلاء، وفي كل شيء بالعلم المحيط به لا كدخول غيره في شئ، وخصهما بالذكر لشرفهما ودلالتهما على العلو وإشعارهما بأن أمره تعالى جاء من الأعلى إلى الأسفل كما هو مقتضى العادة.
(وتخشع أبصارهم) بغضها وإرخاء أجفانها (وتضطرب فرايصهم) في النهاية: الفريصة اللحمة التي بين جنب الدابة وكتفها لا تزال ترعد، وأراد بها أصل الرقبة وعروقها لأنها هي التي تثور عند الغضب والخوف وفي الفايق الفريصة لحمة عند منبض القلب ترتعد وتثور عند الفزع والخوف والغضب.
(مهطعين إلى الداع) الإهطاع: الإسراع في العدو، وأهطع أيضا: إذا مد عنقه وصوب رأسه أي نكسه (يقول الكافر هذا يوم