وقصدهم قتله (عليه السلام) حين طلب منهم الجزية فخرجوا إلى خيبر ثم اجتمعت منهم ومن غيرهم من اليهود فخرج بعضهم إلى مكة لاستنفار القريش ومن يحذو حذوهم ودان بمقالتهم إلى حرب الرسول (صلى الله عليه وآله) وبعضهم إلى غطفان وبعضهم إلى سليم وبعضهم إلى بني أسد وبعضهم إلى غير هؤلاء من قبايل العرب وحرضوهم على المحاربة واستنفروهم فأجمعت قريش السير إلى المدينة مع أربعة آلاف وأميرهم أبو سفيان بن حرب بن أمية ولحق بهم غطفان وأميرهم عيينة بن حصن الفزاري ومنهم بنو أشجع قبيلة بن غطفان وأميرهم طلحة الأزوي بنو فزارة وبنو أسد وبنو سليم وبنو عمرو وغيرهم وأميرهم عامر بن الطفيل إلى غير هؤلاء حتى بلغوا عشرة آلاف واتصل خبرهم برسول الله (صلى الله عليه وآله) فأمر بحفر الخندق حول المدينة وكان أمرا لم تعهده العرب وإنما كان من عمل فارس والروم، وأشار به سلمان الفارسي رضى الله عنه فورد الأحزاب جميعا وحصرو المدينة في شوال سنة خمس وقيل سنة أربع، وبنو قريظة عاهدوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) على أن لا يلحقه منهم ضرر فلما حاصروا دخلهم بنو النضير وحملوهم على نقض العهد فساءت الظنون ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يبشر ويعدهم بالنصر من عند الله تعالى والأحزاب يطلبون من الخندق مضيقا للمرور ولم يجدوه مع أن سلمة بن أسلم مع مائتي نفر وزيد بن حارثة مع ثلاثمائة نفر كانوا يحرسون الخندق وعند ذلك برز عمرو بن عبد ود وكان شجاعا معروفا في العرب ومعه عكرمة بن أبي جهل وطايفة أخرى فطلب عمرو مبارزا فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) فقتله وانهزم عكرمة وأصحابه وألقى الله الرعب في قلوب المشركين ويئسوا من الظفر، ثم أن الله سبحانه أرسل ريح الصبا فهدمت خيامهم وقطعت حبالهم وأكفأت قدورهم ولم يمكنهم معها قرار. وقد قيل إن الله تعالى بعث مع الرياح ملائكة تشددوها فخافوا حتى أزمعوا الرحلة بعد بضع وعشرين ليلة فانصرفوا خائبين وفي بعض السير أنهم قالوا: ما هذا الذي صنعوه ومن فعله والعرب لم يروا مثله يعني الخندق فقيل إنه من عمل رجل فارسي (فقال أبو عبد الله (عليه السلام) بيده) أي أومأ بها والعرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال وتطلقه على غير الكلام فتقول: قال برجله: أي مشى وقال برأسه: أي أومأ، وقال بالماء على يده: أي قلب، وكل ذلك على المجاز والاتساع كما صرح به في النهاية فقال: (أما تسمع كلامي منذ الليلة ولا تكلم اقترب) أمره بالاقتراب والدنو بعد توبيخه من التجاهل عن سماع كلامه ولا تكلم بحذف إحدى التائين ومنذ مبني على الضم وما بعده مجرور ومعناه ابتدأ الزمان أو بمعنى في الظرفية (يا حذيفة لا تحدث شيئا حتى تأتيني فأخذ سيفه وقوسه وحجفته) أمره بأن لا يذعرهم خوفا عليه لأنه إذا ذعرهم تجسسوا عليه فيقع في الهلكة، والحجفة بتقديم الحاء المهملة: الترس (وقد اعتراه المؤمنون والكفار): أي تدانوا وتقاربوا وفي الكنز، اعترا: «نزديك آمدن» والضمير للباب (يا صريخ
(٣٩٥)