صريحا في الخلق ولا يجوز التعيير على حال كما أشار إليه بقوله (ولا توقفوه على سيئة يخضع لها...) أي لا تسكنوه ولا تقيموه على سيئة فيذل لأجلها عند الله وعند الرسول والأولياء بل ادفعوه عنها وامنعوه منها بالنصح والوعظ فإن السيئة صفة ذميمة ليست من أخلاق الرسول وأوليائه فتجب الأسوة بهم والدخول في زمرتهم ويحتمل أن يراد بالإيقاف الاطلاع، يقال: أوقفه على كذا إذا أطلعه عليه.
(قال مسعدة: يعنى بالأدب: العلم) أريد به العلم النافع في الآخرة وهو علم الدين ومقدماتة وإنما سمي أدبا لأنه يأدب أي يدعو إلى مفاخر الدارين ولأنه نور به يهتدي كل عضو إلى ما هو مطلوب منه من الآداب فإن أدب البصر النظر إلى ما يجوز وصرفه عما لا يجوز وأدب اللسان التكلم في موضعه المطلوب شرعا وترك التكلم في غيره وإن كان صادقا فكيف إذا كان كاذبا وقس عليهما البواقي. (قال تحسن تدبير ما تخلف وتحكمه) في كنز اللغة: «تخليف: واپس گذاشتن، واحكام استوار كردن ومحكم ساختن»، والموصول شامل لمصالح الدنيا والآخرة، وحسن تدبيرها لا يتحقق بدون العلم والأدب، ومن الاستعانة ما نقل عن بعض أهل العلم أنه قال حين احتضر: جاء الخبيث وألقى علي الشبهات والوساوس فأجبت واحدة واحدة حتى أسكته فعلمت أن العلم نفعني حيا وميتا.
(أما بعد فإن المنافق لا يرغب فيما قد سعد به المؤمنون) السعادة وهي قرب الحق والنجاة من أهوال الآخرة إنما يحصل بالإيمان والمواقفة بين القلب واللسان وخلوص عمل الجوارح والأركان، والمنافق لفساد قلبه ونقصان عقله وعدم التدبر في عاقبة أمره لا يرغب في شيء منها.
(والسعيد يتعظ بموعظة التقوى) السعيد وهو الذي يرغب فيما ذكر لصفاء قلبه وكمال عقله وحسن تدبره في مآل أمره يتعظ أي يأتمر ويكف نفسه عما كرهه الله تعالى بموعظة التقوى وهي الكلام الحامل على طاعة الله تعالى الزاجر عن مخالفته على وجه يرق له القلب، والإضافة لامية من قبيل إضافة السبب إلى المسبب.
(وإن كان يراد بالموعظة غيره) قد اشتهر في الأخبار أن السعيد من اتعظ بغيره، قيل: صار هذا بمنزلة المثل، والمعنى أن السعيد في الدنيا والآخرة من اعتبر حال غيره ويشاهد بعين بصيرته حاله كحاله ويصرف موعظته إلى نفسه فيتعظ منها.
* الأصل:
133 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن على بن أسباط قال: أخبرني بعض أصحابنا عن محمد ابن مسلم قال: قال أبو جعفر (عليه السلام): يا ابن مسلم الناس أهل رياء غيركم وذلك أنكم أخفيتكم ما يحب الله عز وجل وأظهرتم ما يحب الناس والناس أظهروا ما يسخط الله عز وجل وأخفوا ما يحبه الله، يا ابن مسلم إن الله تبارك وتعالى رأف بكم فجعل المتعة عوضا لكم عن الأشربة (الأسرية خ ل).