كالسفينة الخالية على وجه الماء (فشمخت واستطالت) شمخ الجبل: علا وطال ومنه الرجل الشامخ وهو الرافع أنفه عزا أو العطف للتفسير، أو من باب ذكر الخاص بعد العام لأن الفعل بعد الطلب أقوى منه بلا طلب، (ثم إن النار زفرت وشهقت وفخرت) زفرت النار إذا سمع لتوقدها صوت، وأصل الزفير إخراج الحمار نفسه بعد مده إياه، وشهقت إذا صوتت أو ارتفعت لهباتها، ومنه الشاهق وهو المرتفع.
(ثم إن الريح فخرت وعصفت وأرخت أذيالها) عصفت الريح: اشتدت وأرخت أذيالها إذا مرت على وجه الأرض، وفيه تنبيه على كمال شدتها وحركتها من سطح الأرض إلى جو السماء مع الإشارة بإرخاء الأذيال إلى تكبرها وتفاخرها لأنه كان شأن المتكبرين من العرب.
(ثم إن الإنسان طغى وقال من أشد مني قوة فخلق الله له الموت فقهره فذل الإنسان) أسباب مذلة الإنسان كثيرة غير محصورة وإنما ذكر الموت لأنه أعظمها، ومن العجايب أنهم مع اتصافهم بأنواع من المصايب الدالة على مسكنتهم وعجزهم وذلهم يدعون التكبر الذي من أخص صفاته تعالى ومن ادعى الشركة معه في أخص صفاته فقد ادعى أنه شريك له.
(ثم إن الموت فخر في نفسه فقال الله تعالى: لا تفخر فإني ذابحك بين الفريقين أهل الجنة وأهل النار ثم لا أحييك أبدا فترجى أو تخاف) فيرجوك أهل النار ليتخلصوا من عذابهم أو يخاف منك أهل الجنة خوفا من زوال ما هم عليه من نعيمها، والذبح يحتمل أن يراد به الحقيقة وأن يكون كناية عن إزالته وإفنائه، قيل: إذا استقر الخلائق يوم القيامة في منازلهم أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار يؤتى بالموت على صورة كبش يوقف بين الجنة والنار وينادي مناد يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم، هذا الموت. فيذبح حينئذ. ويقال: يا أهل الجنة ويا أهل النار خلودكم في منازلكم بلا انتهاء ولا موت فيحصل بذلك لأهل الجنة غاية السرور، ولأهل النار نهاية الحسرة والألم، كما يدل عليه قوله تعالى (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) قال بعض المفسرين إذا قضي الأمر وهو ذبح الموت وقع أهل النار في الحسرة والندامة ولا ينفعهم ذلك.
أقول: ذبح الموت متفق عليه بين الخاصة والعامة، روى مسلم بإسناده قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله):
«يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح يتوقف بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت، قال ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟
قال: فيشرئبون وينظرون ويقولون: نعم هذا الموت. قال: فيؤمر به فيذبح، قال: ثم يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت، قال: ثم قرأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) (وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون) وأشار به إلى الدنيا.
قال عياض وابن الأعرابي: الأملح النقي من البياض، وقال الكسائي: هو الذي فيه سواد وبياض