اللبيب إذا نظر في هذا الكلام وعمل بمضمونه وراقب نفسه خلص من آفات الدنيا والآخرة.
(وكن مع الحق حيثما كان) المراد بالحق إما الله تعالى أو الخيرات الدنيوية والاخروية التي أمر الله عز وجل بها وبالتزامها.
(وإن قطعت وأحرقت بالنار فلا تكفر بي بعد المعرفة) نهى عن الارتداد والكفران بعد المعرفة والإيمان بوعيد المنكرين وتعذيب الكافرين والتقية منهم لأن المعرفة والإيمان أمر قلبي لا تقية فيه، نعم يجوز التقية في الأقوال والأعمال الظاهرة كما هو صريح بعض الروايات مع إمكان اختصاصه (عليه السلام) بعدم جواز التقية فيها أيضا.
(ولا تكن مع الجاهلين) الذين ركنوا إلى زهرات الدنيا وشهوات النفس والأهواء الباطلة واللذات الزايلة وأحكام الجهالة وطرق الضلالة، وفي بعض النسخ: «ولا تكونن من الجاهلين» والأول أنسب بقوله.
(فإن الشيء يكون مع الشيء) فالصالح مع الفاسق فاسق والعالم مع الجاهل جاهل لأن علة الفسق والجهالة مسرية وصحبة الهالك والضال مردية، ولو فرض تخلصه من ذلك فهو عند الناس مثلهم في الضلالة والغواية، وفي بعض النسخ: «السيء» بالسين المهملة في الموضعين.
(يا عيسى صب لي الدموع من عينيك واخشع لي بقلبك) طلب الجمع بين الأمرين خشوع القلب ودموع العينين إذ به يقطع العبد منازل الاشتياق ويصل إلى مقام القرب ويتخلص من ألم الفراق والخشوع وهو تفريغ القلب عن غيره تعالى، وصرف الهمة إلى جميع ما يتقرب به يوجب التذلل والخوف من التقصير والبقاء في منزل الحرمان وموضع الخسران والبعد عن المحبوب الحقيقي وبذلك يتحرك القلب ويجد ويتحرق ويغلي ويتصاعد الرطوبات وتنصب من العينين.
(يا عيسى استغث بي في حالات الشدة فإني أغيث المكروبين وأجيب المضطرين) استغاث به طلب منه العون والنصرة في رفع الكرب والشدة فأغاثه إغاثة أي أعانه ونصره وكشف عنه شدته ورفع عنه كربته فهو مغيث (وأنا أرحم الراحمين) دل على أن الإغاثة والإجابة بفضل رحمته.
* الأصل:
104 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن منصور بن يونس، عن عنبسة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إذا استقر أهل النار في النار يفقدونكم فلا يرون منكم أحدا فيقول بعضهم لبعض، (مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار * إتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار) قال: وذلك قول الله عز وجل: (إن ذلك لحق تخاصم أهل النار) يتخاصمون فيكم فيما كانوا يقولون في الدنيا.
* الشرح:
قوله (إذا استقر أهل النار في النار يفقدونكم) فقدته فقدا من باب ضرب وقعد: عدمته، فهو