شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ١٦٣
لجهلهم.
قوله (بشرت به الأنبياء) استيناف كأنه قيل لم لم يكن صفته مجهولة عند أهل العلم فأجاب بذلك وضمير التذكير في به راجع إلى محمد (صلى الله عليه وآله) وضمير التأنيث في كتبها راجع إلى الأنبياء باعتبار الجماعة وفي نعتها ووصفها راجع إلى الصفة والمراد بالعلماء علماء أمة كل نبي وبالحكماء والأوصياء وعكسه بعيد لأن الحكيم فوق العالم كما مر في كتاب العلم.
قوله (مهذب لا يداني) أي مطهر الأخلاق ومهذب من النقائص لا يقاربه أحد.
قوله (هاشمي لا يوازى) أي لا يساويه أحد من الهاشميين وغيرهم وإنما وصفه بالهاشمية لإظهار علو نسبه لأن غير الهاشمي ليس بكفو للهاشمي.
قوله (أبطحي لا يسامى) ساماه فاخره وطاوله في صفة من الأوصاف من السمو وهو الارتفاع، والمعنى لا يعاليه في شرافة ذاته أحد ولا يفاخره في كمال صفاته رجل وإنما نسبه إلى الأبطح باعتبار تولده ونشئته فيه لأنه خير بقاع الأرض.
قوله (شيمته الحياء) الشيمة بالكسر الخلق والطبيعة، والحياء ملكة نفسانية توجب انقباض النفس عن القبيح وهو الوسط بين الوقاحة التي هي الجرأة على القبائح والخجل الذي هو انحصار النفس عن الفعل مطلقا.
قوله (وطبيعته السخاء) السخاء ملكة توجب بذل المال في وجوهه وكان (صلى الله عليه وآله) لا يرد السائل إلا بوجه يرضيه وكان يعطي المستحق من غير مسألة حتى نزل فيه (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا).
قوله (مجبول على أوقار النبوة وأخلاقها) الأوقار جمع الوقر بالكسر وهو الحمل والثقل ولعل المراد بها الفضائل العلمية والعملية وبالأخلاق الأخلاق النفسانية وهذه الأمور على وجه الكمال من لوازم النبوة.
قوله (مطبوعة على أوصاف الرسالة وأحلامها) (1) الأحلام الألباب والعقول واحدها حلم

(١) قوله «أوصاف الرسالة وأحلامها» المراد بالأحلام رؤيا النبوة وهو من أوضح أدلة النبوة أشار إليه الإمام (عليه السلام) لأنا إذا رأينا أحدا تعرض له حالة توجب إعراضه عن عالم الشهود كالغشوة ثم يأتي بعد الصحو بامور خارجة عن قدرة أحد هو من أفراد البشر لم يبق لنا شك في أنه مرتبط بعالم آخر هو عالم الغيب، وإذا رأينا ما أخبرنا به صدقا مطابقا للواقع والعقل ومصالح الناس لم نشك في أن عالم الغيب الذي هو مرتبط به فيه الموجودات العالمة بأدق العلوم المطلعة على ما كان وما يكون ولا معنى للنبوة إلا ذلك ولا يكن تكلفه بالتصنع ولم ينكر وقوع الأحلام له (صلى الله عليه وآله) أحد حتى المشركين من معاصريه، لكن نسبوه إلى ما نسبوا ليماروه ويشككوه في صحة ما يرى كما حكى الله تعالى عنهم: (أفتمارونه على ما يرى) وقال: (قل هل انبئكم على من تتنزل الشياطين تنزل على كل أفاك أثيم) وقال تعالى: (يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) والعلامة المميزة بين الحق والباطل أن ما يراه الرائي إن كان مشتملا على العلوم الدقيقة الإلهية والمصالح الحقيقية فهو من عالم الملائكة ولا يحتمل نسبته إلى الأوهام وتجسم الخيالات والأمراض إذ لا يتمثل بالأوهام إلا ما هو مرتكز في ذهن الإنسان نفسه.
فإذا أخبر صاحب الرؤيا بما نعلم عدم إمكان ارتكازه في خاطره علمنا أنه من عالم خارج عنه، مثلا إذا عرفنا رجلا لا يحفظ من القرآن شيئا ثم نام ورأى في نومه من علمه فاستيقظ حافظا للقرآن علمنا أن ذلك من عالم الغيب، وإن رأينا رجلا لا يعرف العربية فحصل تغير في نفسه وتكلم بها علمنا أنه بتعليم ملك مثلا، وإذا رأينا رجلا من العوام تكلم مع أعاظم العلماء في مسألة علمية لا عهد له بها مثل كردي عامي شرح معنى قوله «الحق ماهية إنيته» بوجه صحيح عرفنا أخذه من عالم آخر فكيف لا يدل إخبار خاتم الأنبياء (عليهم السلام) بقوله:
(وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) على ارتباطه مع عالم غير عالم الشهادة، إذ لا يعلم أحد من موجودات عالم الشهادة ما سيأتي بعد سنين ومثله قوله: (لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) وقال: (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس). ولولا ارتباطه بعالم آخر من أين تجرأ مع دعوى النبوة والصدق أن لا يحتاط في الإخبار ويحكم جزما بأنه لا يأتي أحد بمثل القرآن إلى آخر الدهر، وكذلك ادعاؤه أنه خاتم النبيين ولن يبعث نبي بعده وقد يتفق للإنسان العادي تغيير في بعض ملكاته يسميه أهل زماننا تغيير الشخصية تغييرا يدوم كبليد يصير فطنا أو يزول بسرعة وهو في تلك الحالة كرجل يتكلم عن لسان غيره كما يحكى عن الكهان، وهذا أيضا يدل على وجود عالم الغيب وتلقي روح الإنسان منه ما ليس في استطاعته لو خلى ونفسه، والفرق بين الكهانة والنبوة أخذ الأول من الشياطين وعدم وضوح الرؤيا وامتزاجه مع الأوهام كرؤيانا في النوم والنبوة خالصة من هذه الشوائب كما بينه تعالى في القرآن. (ش)
(١٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 168 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب 3
2 باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟ 14
3 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام 22
4 باب أن الأرض كلها للامام (عليه السلام) 34
5 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر 43
6 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية 51
7 باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية 128
8 باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم 137
9 باب النهي عن الإشراف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) 194
10 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه 196
11 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) 213
12 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما 226
13 باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام) 231
14 باب مولد علي بن الحسين (عليهما السلام) 236
15 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام 240
16 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام 245
17 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام 252
18 باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام 273
19 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام 284
20 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام 296
21 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام 312
22 باب مولد الصاحب (عليه السلام) 335
23 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) 357
24 باب في ذا قيل في الرجل شيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فهو الذي قيل 383
25 باب أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه (عليهم السلام) 384
26 باب صلة الإمام (عليه السلام) 386
27 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه 389
28 فهرس الآيات 417