شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ١٤
باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟
* الأصل:
1 - عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن أحمد بن محمد بن أبي نصر عن أبان ابن عثمان، عن ابن أبي يعفور، عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) خطب الناس في مسجد الخيف فقال: نضر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها من لم يسمعها، فرب حامل غير فقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب امرئ مسلم: إخلاص العمل لله، والنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم، فإن دعوتهم محيطة من ورائهم، المسلمون إخوة تتكافى دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.
و رواه أيضا عن حماد بن عثمان، عن أبان، عن ابن أبي يعفور، مثله، وزاد فيه: وهم يد على من سواهم، وذكر في حديثه أنه خطب في حجة الوداع بمنى في مسجد الخيف.
* الشرح:
قوله (في مسجد الخيف) بفتح الخاء وسكون الياء ما ارتفع عن مجرى السيل وانحدر عن غلظ الجبل، ومسجد منى يسمى مسجد الخيف; لأنه في سفح جبلها.
قوله (نضر الله عبدا) نضره ونضره وأنضره أي نعمه، فنضر ينضر من باب نصر وشرف يتعدى ولا يتعدى، وفي النهاية: روى بالتخفيف والتشديد من النضارة وهي في الأصل حسن الوجه والبريق وإنما أراد حسن خلقه وقدره، وفي المغرب عن الأزدي: ليس هذا من الحسن في الوجه، وانما هو في الجاه والقدر، واستدل النافي لنقل الحديث بالمعنى بهذا الحديث، الجواب لا يدل هذا على المطلوب لأنه دعا لمن نقله بصورته لأنه أولى وأحسن ولا نزاع في أن نقله بصورته أولى، وقد مرت الروايات الدالة على جواز نقله بالمعنى على أنه يمكن حمل هذا الحديث على مطلق حفظه وتبليغه الشامل لحفظ المعنى وتبليغه فإن من سمع الحديث وضبط معناه وبلغه صح أن يقال أداه كما سمعه ولذلك صح أن يقول المترجم أديته كما سمعته.
قوله (قرب حامل فقه) (1) تعليل للتبليغ وإشارة إلى فائدته فإن المبلغ إليه قد يكون فقيها دون

١ - قوله «فرب حامل فقه» تصريح بأن قوة الاجتهاد شيء زائد على نقل الروايات وحفظ المسائل، ولذلك قد لا يكون حامل الفقه فقيها. (و الفقيه هنا بمعنى المجتهد في عرف المتأخرين) والسر فيه أن بعض الناس ناقصوا الاستعداد يقرب ذهنهم من أذهان الماديين ونفوسهم متوجهة إلى الحواس الخمس ويسهل عليهم إدراك المحسوسات وحفظها دون الكليات والمعقولات فيطالبون الكتب لأن نقوش الكتابة تدرك بالبصر ويحفظون ألفاظ المنقولات لأن أصوات الحروف تدرك بالسمع ولا يعسر عليهم ذلك، أما التنبه للمعاني غير المدركة بالسمع والبصر فمعسور عليهم وخلقهم الله لنقل العلم إلى غيرهم الذين يسهل عليهم التنبه للكليات والمعاني ولا يتمحضون كالجماعة الأولى لحفظ المحسوس والمسموع، والجامعة البشرية محتاجة إلى وجود كلتا الطائفتين، ولم يهمل الحكمة الأزلية مصلحتهم وهو مقتضى قاعدة اللطف (وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) وكل ميسر لما خلق له.
فإن قيل: أليس الفقه عندنا مأخوذا من النصوص دون القياس والاعتبار، أو ليس ظواهر الألفاظ حجة؟ أو ليس فهم المعنى من اللفظ مشتركا بين جميع من عرف اللغة العربية؟ وإذا كان هذا حقا فكيف يعقل أن يكون حامل الألفاظ غير فقيه؟
قلنا: الاختلاف في فهم المراد من القرائن اللفظية والمعنوية الداخلية والخارجية وغير خفي ويتفاضل الناس في ذلك تفاضلا بينا جدا، ونضرب لذلك مثالا وهو أن صلاة الاحتياط بعد الشك في عدد الركعات هل هي صلاة مستقلة يصح أن يؤخر عن الصلاة الأصلية أو يجب فعلها متصلة بها وفهم أكثر العلماء من الروايات الواردة فيها أن فعلها لأجل تتميم الصلاة على فرض نقصها واقعا، ومبناه على الاحتياط بحيث يتيقن المصلي أنه فعل ما أراده الشارع فإن كانت أصل الصلاة كاملة فقد أتى بصلاة الاحتياط مفصلة بالتكبير والنية ولم يدخل المشكوك في المتيقن، وإن كانت ناقصة كانت جبرا لنقصها، وتبادر ذهنهم بالقرينة العقلية واللفظية إلى وجوب الاتصال والفور بعد تكميل الأصل، وعلم عدم قدح الفاصلة بالتكبير والنية في تتميم الأصل بصلاة الاحتياط تعبدا ولم يفهم بعضهم ذلك بتلك القرائن. وهذه هي المسألة التي اختلف فيها نظر الحكيم المتأله المولى علي النوري وصاحب القوانين (قدس سرهما) في الرسالة المشهورة التي كتبها إليه وأجاب عنها على ما نقل في جامع الشتات وذلك أن المولى المذكور (رحمه الله) استنبط باجتهاده أن صلاة الاحتياط تصح منفصلة عن الصلاة الأصلية وكان بناؤه على إعادة الاحتياطات التي فعلها سابقا لعلة ذكرها، لكن كان في قلبه دغدغة الاحتمال وجوب اتصال الاحتياط بالأصل، كما هو المشهور، ورفع صاحب القوانين دغدغته بتصويب الفعل، ولكن المشهور مخالف لفتوى صاحب القوانين، وكانت دغدغة المولى في محله، ولعل الله يوفقنا لبيان ذلك تفصيلا فيما يأتي إن شاء الله. (ش)
(١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 باب فيما جاء أن حديثهم صعب مستصعب 3
2 باب ما أمر النبي (صلى الله عليه وآله) بالنصيحة لأئمة المسلمين واللزوم لجماعتهم ومن هم؟ 14
3 باب ما يجب من حق الإمام على الرعية وحق الرعية على الإمام 22
4 باب أن الأرض كلها للامام (عليه السلام) 34
5 باب سيرة الإمام في نفسه وفي المطعم والملبس إذا ولي الأمر 43
6 باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية 51
7 باب فيه نتف وجوامع من الرواية في الولاية 128
8 باب في معرفتهم أولياءهم والتفويض إليهم 137
9 باب النهي عن الإشراف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله) 194
10 باب مولد أمير المؤمنين صلوات الله عليه 196
11 باب مولد الزهراء فاطمة (عليها السلام) 213
12 باب مولد الحسن بن علي صلوات الله عليهما 226
13 باب مولد الحسين بن علي (عليهما السلام) 231
14 باب مولد علي بن الحسين (عليهما السلام) 236
15 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام 240
16 باب مولد أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام 245
17 باب مولد أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام 252
18 باب مولد أبي الحسن الرضا عليه السلام 273
19 باب مولد أبي جعفر محمد بن علي الثاني عليهما السلام 284
20 باب مولد أبي الحسن علي بن محمد عليهما السلام 296
21 باب مولد أبي محمد الحسن بن علي عليهما السلام 312
22 باب مولد الصاحب (عليه السلام) 335
23 باب ما جاء في الاثني عشر والنص عليهم (عليهم السلام) 357
24 باب في ذا قيل في الرجل شيء فلم يكن فيه وكان في ولده أو ولد ولده فهو الذي قيل 383
25 باب أن الأئمة كلهم قائمون بأمر الله تعالى هادون إليه (عليهم السلام) 384
26 باب صلة الإمام (عليه السلام) 386
27 باب الفيء والأنفال وتفسير الخمس وحدوده وما يجب فيه 389
28 فهرس الآيات 417