سبحانه في الأزل أي سبق علمه به، ولا ينكر هذا المعنى أحد من أهل الإسلام إلا شرذمة قليلون نشأوا في آخر زمن الصحابة فقال بعضهم: إنه تعالى يعلم الأشياء بعد وجودها وقال بعضهم أنه يعلمها قبل وجودها بمعنى أنه يوجد لنفسه علما بها ثم يوجدها. الثاني أنه يطلق على جبر الله تعالى عباده على الأفعال وعلى ما قدره وقضاه وهذا مذهب الأشاعرة. الثالث أنه يطلق على قدرة العبد على أفعاله وهذا مذهب المعتزلة والإمامية.
إذا عرفت هذا فنقول: لا دلالة في الحديث على إثبات مذهب الأشاعرة ونفي مذهب الإمامية والمعتزلة لجواز أن يكون المراد منه إثبات القدر بالمعنى الأول لعلمه (صلى الله عليه وآله) بأنه سيوجد قوم ينكرونه، ويؤيده قول القرطبي وهو من أعاظم علمائهم فما رووه عنه (صلى الله عليه وآله) العلم فيما جفت به الأقلام وجرت عليه المقادير حيث قال: أبطل (صلى الله عليه وآله) بهذا القول قول من قال: إن الأمر مستأنف والمقصود أن الأمر ليس بمستأنف أي ليس علم الله بذلك مستأنفا بل سبق به علمه وإرادته أزلا وجفت به أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ انتهى كلامه.
* الأصل:
123 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن عيسى، عن الحسن بن محبوب، عن إسحاق بن غالب، عن أبي عبد الله (عليه السلام) في خطبة له خاصة يذكر فيها حال النبي والأئمة (عليهم السلام) وصفاتهم: فلم يمنع ربنا لحلمه وأناته وعطفه ما كان من عظيم جرمهم وقبيح أفعالهم، أن انتجب لهم أحب أنبيائه إليه وأكرمهم عليه محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) في حومة العز مولده، وفي دومة الكرم محتده، غير مشوب حسبه، ولا ممزوج نسبه ولا مجهول عند أهل العلم صفته، بشر به الأنبياء في كتبها، ونطقت به العلماء بنعتها وتأمله الحكماء بوصفها، مهذب لا يداني، هاشمي لا يوازي، أبطحي لا يسامي شميته الحياء وطبيعته السخاء، مجبول على أوقار النبوة وأخلاقها، مطبوع على أوصاف الرسالة وأحلامها.
إلى أن انتهت به أسباب مقادير الله إلى أوقاتها، وجرى بأمر الله القضاء فيه إلى نهاياتها، أداه محتوم قضاء الله إلى غاياتها، تبشر به كل أمة من بعدها، ويدفعه كل أب إلى أب من ظهر إلى ظهر، لم يخلطه في عنصره سفاح، ولم ينجسه في ولادته نكاح، من لدن آدم إلى أبيه عبد الله، في خير فرقة وأكرم سبط وأمنع رهط وأكلا حمل وأودع حجر، اصطفاه الله وارتضاه واجتباه وآتاه من العلم مفاتيحه ومن الحكم ينابيعه، ابتعثه رحمة للعباد وربيعا للبلاد وأنزل الله إليه الكتاب فيه البيان والتبيان قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون، قد بينه للناس ونهجه بعلم قد فصله ودين قد أوضحه وفرائض قد أوجبها وحدود حدها للناس وبينها وأمور قد كشفها لخلقه وأعلنها،