شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٧ - الصفحة ١٩٤
باب النهي عن الإشراف على قبر النبي 9 * الأصل:
1 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد البرقي، عن جعفر بن المثنى الخطيب قال: كنت بالمدينة وسقف المسجد الذي يشرف على القبر قد سقط والفعلة يصعدون وينزلون ونحن جماعة، فقلت لأصحابنا: من منكم له موعد يدخل على أبي عبد الله (عليه السلام) الليلة؟ فقال مهران بن أبي نصر: أنا، وقال إسماعيل بن عمار الصيرفي: أنا، فقلنا لهما: سلاه لنا عن الصعود لنشرف على قبر النبي (صلى الله عليه وآله)، فلما كان من الغد لقيناهما، فاجتمعنا جميعا، فقال إسماعيل: قد سألناه لكم عما ذكرتم، فقال: ما أحب لأحد منهم أن يعلو فوقه ولا آمنه أن يرى شيئا يذهب منه بصره أو يراه قائما يصلي أو يراه مع بعض أزواجه (عليه السلام).
* الشرح:
قوله (ما أحب لأحد منهم أن يعلو فوقه) ظاهره الكراهة والتحريم يحتمل والعلة ترك الأدب بأن يعلو فوقه وعدم الأمن من أن يرى شيئا يذهب منه بصره وهو الملائكة أو أزواجه الطاهرة أو أن يراه قائما يصلي أو يراه مع بعض أزواجه وفيه هتك حرمته، ودلالة الجميع على المطلوب ظاهرة إلا قوله أو يراه قائما يصلي، إلا أن يقال: كراهة رؤيته كذلك أو عدم جوازها باعتبار الإشراف على بيته (1) (عليه السلام). واعلم أن الأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) والشهداء والأولياء والصلحاء بعد مفارقتهم الدنيا بأبدانهم أحياء مرزوقون فاعلون للأعمال الصالحة وإنما المانع من رؤيتهم عادة حجاب قرره الله تعالى لحكمة لا يعلمها إلا هو وأهل البصائر من عباده (2) وربما يظهر صورتهم لمن يشاء الله تعالى

(١) قوله «باعتبار الإشراف على بيته» والذي يؤخذ على الشارح أن مقتضى التعليل تعليق حرمة الإشراف أو كراهته على احتمال الرؤية لا تعليق حرمة الرؤية على الإشراف، والجواب أن النهي عن الإشراف لترك الأدب وهو علته كما ذكره الشارح أولا لكن يذكر للتنفير عن بعض المنيهات أمور نظير قوله تعالى: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا) في التنفير عن الغيبة وقد أبدع (عليه السلام) في التعبير لأن كل من ينفر عن حرام لابد أن يشبهه بشيء خبيث ويمثله في صورة موهنة مزجرة ألا ترى أنه نفر عن النظر إلى الشطرنج بأن الناظر إليه كمن ينظر إلى فرج امه ومثل المال الحرام بعراق خنزير في كف مجذوم وذكر الخبائث هنا إساءة أدب لكنه ذكر (عليه السلام) ما يزجر عن الإشراف ولا يوهن ولا يستلزم ترك الأدب وهذا أعلى درجات البلاغة لا يتأتى لكل أحد وإن تفكر أياما وأسابيع أن يعبر تعبيرا غيره يفيد فائدته. (ش) (2) قوله «وأهل البصائر من عباده) فإنهم يعلمون عدم انحصار العوالم والنشآت في الوجود المادي وعدم خلق الحواس الجسمانية لإدراك جميع الموجودات والعوالم متطابقة ولإدراك كل منها حاسة إن أمكن الإحساس به ومدرك إن أمكن إدراكه وكما كان يرى النبي (صلى الله عليه وآله) ثواب المنعمين في القبر ويسمع ضجة المعذبين ولا يراه غير كذلك أمكن أن يرى بعض من رأى الله المصلحة في رؤيته النبي والأئمة (عليهم السلام) في ضرائحهم، وقد روى في ذلك قصص وحكايات كثيرة يجب إيرادها في موضع أليق إن شاء الله تعالى. (ش)
(١٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 199 ... » »»
الفهرست