الذي به حياة الأرواح بالماء الذي به حياة الأشباح، ونسب إليه الاستقاء، ففيه مكنية وتخييلية.
قوله (فعلموا وجهلنا؟ هذا ما لا يكون) لظهور أن الأصل يزيد على الفرع وأن الغني أغنى من المحتاج الفقير وأن المرشد أعلم من المسترشد. وقد روي أن معاوية كتب كتابا إلى علي (عليه السلام) ذكر فيه اصطفاء الله تعالى محمدا (صلى الله عليه وآله) لدينه وتأييده إياه بمن أيده وقواه من أصحابه وغير ذلك من النصائح فأجابه (عليه السلام) بقوله: «فلقد خبأ» (أي ستر) لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله عندنا ونعمته علينا في نبينا فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر وداعي مسدده إلى النضال» استعار (عليه السلام) الخبء لما ستره الدهر في وجود معاوية من العجب، ووجه العجب ههنا أنه أخبر أهل النبي بحال النبي وما أنعم الله به عليه من اصطفائه لدينه وتأييده بأصحابه مع علمهم البالغ بحاله وكونهم أولى بالإخبار عنها وضرب له في ذلك مثلين، وأصل المثل الأول أن رجلا قدم من الهجر إلى البصرة بمال يشتري به شيئا للربح فلم يجد فيه أكسد من التمر فاشترى بماله تمرا وحمله إلى هجر وادخر في البيوب ينظر به السعر فلم يزدد به إلا رخصا حتى فسد جميعه وتلف ماله فضرب مثلا لمن حمل الخبر بما أخبر به إلى معدنه الذي هو أولى به منه، كحامل التمر إلى معدنه، وهجر معروفة بكثرة التمر، حتى أنه ربما يبلغ سعر خمسين جلة بدينار، ووزن الجلة مائة رطل، فذلك خمسة آلاف رطل لم يسمع مثل ذلك في بلاد أخرى. ثم شبهه بداعي مسدده إلى ما هو أولى بأن يدعوه إليه، كما يدعو الإنسان مسدده واستاده في الرمي إلى المرماة، ومسدده أولى بأن يدعوه إليه.