وأحمد بن حنبل حتى جعلوهم أئمة مع شدة اختلاف هؤلاء في الأمور العقلية والنقلية ورووا عن عائشة التي كانت مبغضة معاندة لأهل البيت (عليهم السلام) وقد صرح بعنادها وبغضها لهم من علمائهم الآبي في كتاب إكمال الإكمال روايات متكثرة لا تكاد تحصى من كثرتها ولم يرووا عشر أعشارها من سائر زوجاته (صلى الله عليه وآله) مع أنهم رووا أن نبيهم قد استوعبت أكثر أوقاته الرجال وأن ليلة عائشة كليلة غيرها، وأن أوقاته في الليلة كانت موزعة، ولم يرووا من علي (عليه السلام) إلا قليلا جدا مع صرف أوقاته صغيرا وكبيرا في خدمة النبي (صلى الله عليه وآله) وكمال عقله وحرصه بالتعلم وحرص النبي (صلى الله عليه وآله) بتعليمه ومن فاطمة (عليها السلام) إلا حديثين مع أن عمرها الشريف مضى في صحبة النبي (صلى الله عليه وآله) وكمال المحبة بينهما وقد قال فيها «فاطمة سيدة نساء العالمين» وقال «فاطمة بضعة مني» ومناقبها ودلائل فضلها أكثر من أن تذكر، ولم يرووا من الحسن والحسين إلا شيئا قليلا جدا مع اعترافهم بفضلهما وشرفهما حتى رووا في كتبهم أنه (صلى الله عليه وآله) قال «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة» ولم يدروا أن سيد شباب أهل الجنة لا يكون جاهلا بشيء من الأحكام، ثم إنهم لم يكتفوا بذلك حتى عاندوا شيعتهم ومواليهم وتركوا أخبارهم التي يروونها عنهم وما ذلك إلا الضلال البعيد.
قوله (ومن عندنا خرج العلم إليهم) كما يرشد إليه قوله (صلى الله عليه وآله) «أنا مدينة العلم وعلي بابها» وقول أمير المؤمنين (عليه السلام) «وعندنا أهل البيت أبواب الحكم وضياء الأمر» يعني عندنا أبواب الأحكام والعلوم التي يبتنى عليه الأمور والأعمال البدنية والدنيوية وما ينبغي أن يهتدي الناس به من قوانين الشرع ونظام الدين ولذلك قال (صلى الله عليه وآله) «علي أقضاكم» والقضاء محتاج إلى جميع أنواع العلوم فلما رجحه على الكل في القضاء فقد رجحه عليهم في كل العلوم وقد ذكروا أنه (عليه السلام) أستاذ الخلق في علم الاصول وأسرار التوحيد والعدل والنبوة والقضاء والقدر والمعاد والكلام والأحكام والأخلاق والفقه والتفسير والنحو والعربية وغير ذلك من العلوم كلها.
قوله (إن هذا لمحال) نقل صاحب الطرائف عن محمد بن عمر الرازي المعروف بابن الخطيب وهو أعلم علماء الأشعرية صاحب التصانيف الكثيرة أنه يقول في الكتاب الذي صنفه وجعله دستورا لولده وسماه كتاب الأربعين، في الفصل الخامس من المسألة التاسعة والثلاثين في بيان أفضل الصحابة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأورد عشرين حجة في أن علي بن أبي طالب أفضل الصحابة، يقول في الحجة الثالثة منها ما هذا لفظه: «الحجة الثالثة: أن عليا (عليه السلام) كان أعلم الصحابة والأعلم أفضل، إنما قلنا إن عليا (عليه السلام) كان أعلم الصحابة للإجمال والتفصيل، أما الإجمال فهو أنه لا نزاع أن عليا (عليه السلام) كان في أصل الخلقة في غاية الذكاء والفطنة والاستعداد للعلم وكان محمد (صلى الله عليه وآله) أفضل