* الشرح:
قوله (وهو مغضب) اسم مفعول من أغضبه شيء ولابد أن يكون ذلك الشيء المغضب لله تعالى لا لمقتضى النفس إذ مقتضاها لا يحركه إلى الغضب فهو إما ما رآه من الجارية من خلاف الآداب، أو ما زعمه بعض الناس من أنه يعلم الغيب مثل الله سبحانه وتعالى ويشاركه في الإلهية.
قوله (يا عجبا لأقوام) أي يا صحبي عجبت عجبا والسبب في التعجب عن الشيء هو عدم اطلاع النفس على أسبابه لغموضها مع كونه في نفسه أمرا غريبا وكلما كان الشيء أغرب وأسبابه أخفى كان أعجب وفيه أيضا إظهار بأنه لا يعلم الغيب مثله سبحانه وإلا لم يخف عليه السبب ثم الغرض من هذا التعجب وإظهاره هو أن لا يتخذه الجهال إلها أو يدفع عن وهم بعض الحاضرين المنكر لفضله ما نسبوه إليه من العلم بالغيب حفظا لنفسه وإلا فهو (عليه السلام) كان عالما بما كان وما يكون فكيف يخفى عليه مكان الجارية، فإن قلت: إخباره بذلك على هذا يوجب الكذب، قلت: إنما يوجب الكذب لو لم يقصد التورية (1) وقد قصدها، فإن المعنى: فما علمت علما غير مستفاد منه تعالى بأنها في أي بيوت الدار. وهذا حق فإن علمه بذلك علم مستفاد وهذا العلم في الحقيقة ليس علما بالغيب كما أشرنا إليه.
قوله (قال سدير فلما أن قام من مجلسه) هذا يدل على أن ذلك القول كان على سبيل التقية من بعض الحاضرين حيث لم يسألوه عنه في ذلك المجلس.
قوله (علما كثيرا) وهو إما مصدر تعلم أو مفعوله.
قوله (ولا ننسبك إلى علم الغيب) قالوا ذلك تحرزا عن التعجب المذكور وعن تخاطبه بما يكرهه ثم هذا القول منهم بعد اعترافهم بأنه يعلم كثيرا من الأمور الكائنة بناء على أن علم الغيب علم غير مستفاد كعلم الواجب، وأما علم غيره بالأمور الغائبة عن الحواس فإنما هو اطلاع على أمر غيبي كما أشرنا إليه.
قوله (قال فقال: يا سدير ألم تقرأ القرآن) ملخص الجواب أمران: أحدهما أنه (عليه السلام) أعلم من صاحب سليمان الذي أحضر عرش بلقيس في أقل من طرفة عين بعلمه، وثانيهما أنه عالم بجميع الأشياء ولا يخفى عليه شيء وذلك لأن كل شيء في الكتاب وهو عالم بالكتاب كله فهو عالم