البشر فإن صنايعهم تحذو حذوا ومثله سبقت من غيرهم أو حصلت في أذهانهم بإلهام فلا يكون على غير مثال.
قوله (أما تسمع لقوله تعالى وكان عرشه على الماء) استشهاد لما تقدم لإفادة أن الماء أول الموجودات الممكنة وأصلها ولا أصل له وإن عرش الواجب يعني علمه المتعلق بالموجودات كان على الماء فقط إذ لم يكن حينئذ شيء من الجسم والجسمانيات موجودا غيره ثم خلق منه السماوات والأرضين; يدل على ذلك ما روي عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة: «قال وكان الخالق قبل المخلوق ولو كان أول ما خلق من خلقه الشيء من الشيء إذا لم يكن له انقطاع أبدا ولم يزل الله إذا ومعه شيء ليس هو يتقدمه، ولكنه كان إذ لا شيء غيره وخلق الشيء الذي جميع الأشياء منه وهو الماء الذي خلق الأشياء منه فجعل نسب كل شيء إلى الماء ولم يجعل للماء نسبا يضاف إليه، وخلق الريح من الماء ثم سلط الريح على الماء، فشققت الريح متن الماء حتى ثار من الماء زبد على قدر ما شاء أن يثور فخلق من ذلك الزبد أرضا بيضاء نقية ليس فيها صدع ولا نقب ولا صعود ولا هبوط ولا شجرة، ثم طواها فوضعها فوق الماء ثم خلق الله النار من الماء فشققت النار متن الماء حتى ثار من الماء دخان على قدر ما شاء الله أن يثور فخلق من ذلك الدخان سماء صافية نقية ليس فيها صدع ولا نقب وذلك قوله (أم السماء بناها رفع سمكها وسويها أغطش ليلها وأخرج ضحيها) قال «ولا شمس ولا قمر ولا نجوم ولا سحاب ثم طواها فوضعها فوق الأرض ثم نسب الخليقتين فرفع السماء قبل الأرض فذلك قوله عز ذكره (والأرض بعد ذلك دحيها) يقول بسطها» (1) وقال بعض الأفاضل: مقتضى الروايات أنه خلق الماء قبل الأرض وهذا مما شهد به البرهان العقلي فإن الماء لما كان حاويا لأكثر الأرض كان سطحه الباطن المماس لسطحها الظاهر مكانا وظاهر أن للمكان تقدما باعتبار ما على المتمكن فيه وان كان اللفظ يعطي تقدم خلق الماء على الأرض تقدما زمانيا.
قوله (فقال أبو جعفر (عليه السلام) إلا من ارتضى من رسول) لما توهم السائل اختصاص علم الغيب به تعالى نبه (عليه السلام) بذكر الاستثناء على ثبوته لمن ارتضاه.
قوله (وأما قوله عالم الغيب فإن الله عز وجل عالم بما غاب عن خلقه فيما يقدر من شيء ويقضيه في علمه قبل أن يخلقه وقبل أن يفضيه إلى الملائكة) فيما يقدر حال عن ما الموصولة وفي علمه متعلق بيقدر وما عطف عليه وفي بمعنى الباء أو حال عن فاعله إذ كأنه في علمه