ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الحق ومعنى اعتراضها كما صرح به بعض شراح نهج البلاغة هو أن الفتنة لما كانت واقعة على غير قانون شرعي ونظام مصلحي ولذلك سميت فتنة أشبهت المعترض في الطريق من الحيوان الماشي على غير استقامة فلذلك استعير لها لفظ الاعتراض ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية، ويحتمل أن يكون نسبة الاعتراض إليها من باب التجوز في الإسناد لأن الاعتراض وصف للامم ناش من الفتنة وأن يكون اعتراض الفتنة بمعنى عروضها وانتشارها في الأقاليم.
(وانتقاض من المبرم) أي المحكم من أبرمت الشيء أحكمته، فانبرم أي صار محكما، وقد أشار بالإبرام إلى ما كان الخلق عليه من نظام الأحوال بالشرائع السابقة واستحكام امورهم لمتابعة الأنبياء بانتقاضه إلى إفساد ذلك النظام وتغيير تلك الشرائع.
(وعمى عن الحق) العمى إما مسند إلى الحق أو إلى الامم ففيه على الأول إشارة إلى التباس الحق بالباطل وانطماس نوره في ظلمة الشبهات، وعلى الثاني إشارة إلى فساد عقيدتهم وزوال بصيرتهم عن إدراك الحق بارتكاب الشهوات واقتراف الخطيئات.
(واعتساف من الجور) الاعتساف الأخذ على غير الطريق، والمراد به ترددهم في طريق الضلالة وسيرهم في سبيل الجهالة لاستيلاء ظلمة الغواية على نفوسهم واستعلاء دين الغباوة على قلوبهم حتى قادتهم أزمة إرادتهم إلى المشي في غير سبيل نظام عدلي والجري في غير طريق قانون شرعي.
(وامتحاق من الدين) امتحق الشيء أي بطل وذهب أثره حتى لا يرى منه شيء وامتحاق الدين كناية عن خفائه واستتاره بانتشار سواد الكفر وظلمة الشبهات لأن الامم قد استزلتهم الآراء الفاسدة وأطارتهم العقائد الباطلة إلى أن تركوا دين الحق واخترعوا لأنفسهم أديانا.
(وتلظ [ى] من الحروب) تلظت الحروب التهبت واشتعلت من لظى وهي النار، شبه الحرب بالنار في الإفساد والإهلاك وأسند إليها التلظي وكني بها عن هيجانها ووجودها بينهم في زمان الفترة، ففي الكلام استعارة مكنية وتخييلية ومنشأ هذه الخصلة الذميمة أن ابتلاءهم بالحمية الجاهلية وعدم اهتدائهم إلى المصالح الدينية والدنيوية بعثهم على ما لا ينبغي من القتل والغارات وسبي بعضهم بعضا.
(على حين اصفرار من رياض جنات الدنيا) الرياض جمع الروضة وأصلها رواض قلبت الواو