شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٩٤
مذكى وهو ما حرمه القرآن الكريم (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله والمنخنقة والموقوذة) أي المضروبة بالخشب حتى تموت ويبقى الدم فيها فيكون ألذ وأطيب كما زعم المجوس. «والمتردية»: أي التي تردت من علو فماتت فإن كل ذلك إذا مات فكثيرا ما يتعفن ويؤكل ويصدق أن طعامهم كان الجيفة.
(وشعارها الخوف، ودثارها السيف) قال شارح نهج البلاغة: الشعار بالكسر، وقد يفتح، وهو الثوب الذي يلي الجسد; لأنه يلي شعره والدثار - بالكسر - الثوب الذي فوق الشعار (1)، وفي الكلام حذف مضاف أي شعار أهلها ودثارها أهلها، استعار لفظي الشعار والدثار للخوف والسيف ووجه المشابهة الاولى أن الخوف وإن كان من العوارض القلبية إلا أنه كثيرا ما يستتبع اضطراب البدن وانفعاله بالرعدة فيكون شاملا له ملتصقا به شمول ما يتخذه الإنسان شعارا والتصاقه ببدنه ووجه المشابهة الثانية أن الدثار والسيف يشتركان في مباشرة المدثر والمضروب من ظاهرهما، ومن هاهنا ظهر وجه تخصيص الخوف بالشعار والسيف بالدثار.
(مزقتم كل ممزق) التفات من الغيبة إلى الخطاب، والممزق على صيغة اسم المفعول مصدر ميمي بمعنى التمزيق، وهو التخريق والتقطيع، والمراد بتمزيقهم تفريقهم وإزالة ملكهم وقطع دابرهم وتشتيت آرائهم وأهوائهم بالقتال والجدال (2) والتباغض والتباعد والمناقشة والمنازعة.

1 - لا يخفى أن الناس إذا كانوا خائفين والسيف بيدهم دائما للدفاع عن أنفسهم لم يكن لهم هم في إصلاح المعاش فيزيد فيهم البؤس والفقر ويزال ذلك برواح الدين والخوف من الله تعالى والأمن والسلامة، وكان العرب قبل الإسلام محرومين بائسين. (ش).
2 - مما يبتلى به الامم فيسلب منهم النعم التباغض والتناقض; لأن الإنسان مدني بالطبع محتاج إلى التعاون والتحابب وحسن المعاشرة ولم يكونوا كذلك في الجاهلية بل كان الظلم والجور والفساد فاش في جميع الناس والخوف سار في عامتهم يخاف بعضهم من بعض ومزقوا كل ممزق حتى جمعهم الإسلام على كلمة واحدة وأزال منهم التباغض والجدال.
فإن قيل: بقي بعد الإسلام أيضا ظلم الولاة على الرعايا خصوصا في زمان بني امية.
قلنا: لا يقاس أحدهما بالآخر فإن الناس في الجاهلية كانوا جميعهم فسقة ظالمين يخاف بعضهم من بعض، وأما بعد الإسلام لم يكن الناس ممزقين بل كان الظلم خاصا بالولاة وكان الولاة من بقية المشركين الذين لم يستأصلوا بعد فكان الظلم من آثار الكفر غير الممحوة لا من آثار الإسلام ومع ذلك كان الناس معترفين بأن ليس للولاة المداخلة في قوانين الشرع وإنفاذ ما يريدونه في حقوق الناس وأما عهد الجاهلية فإن الولاة كانوا في عهدهم محقين في كل ما يفعلون ولم يكن يعد عملهم ظلما، وكان يجب على الرعية إطاعة الولاة وعصيانهم يبيح قتلهم وسلبهم بخلاف زمان الإسلام حيث قالوا: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» إلى غير ذلك. (ش)
(٢٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 299 ... » »»
الفهرست