خفوضها متجاوزا عنهم من غير تلبث عندهم وهذا كناية عن زواله عنهم بالكلية وذلك بسبب انقلاب أحوال الدنيا من الخير إلى الشر، أو بسبب دفن البنات حية. قيل في بعض النسخ: «يحتاز» بالحاء المهملة والزاي المعجمة من الحيازة، أي يجمع ويمسك وراءهم طيب العيش والرفاهية.
وقيل في بعضها: «يختار» بالخاء المعجمة والراء المهملة، يعني المراد عندهم بدفن البنات طيب العيش والرفاهية. وفيه لوم لهم على قبح أفعالهم ووخامة عاقبتهم مع ما فيه من نغص العيش حاضرا لما جبل الإنسان عليه من حب الأولاد واقتراف الشدائد والمصائب بموتهم فكيف يدفنهم أحياء؟
(لا يرجون من الله ثوابا ولا يخافون والله منه عقابا) لأن رجاء الثواب وخوف العقاب تابعان للعلم بالمعارف اليقينية والإيمان بالله وبرسوله ومستتبعان للعمل بالصالحات والاجتناب من المنهيات (1) وتهذيب النفس عن الرذائل وتزيينها بالفضائل وهم قد كانوا براء من جميع ذلك.
(حيهم أعمى نجس، وميتهم في النار مبلس) المراد بالأعمى أعمى القلب فاقد البصيرة عن إدراك الحق والنجس - بفتح النون وكسر الجيم أو فتحها - من النجاسة، وضبطه بعض الأصحاب بالباء الموحدة المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة والحاء المهملة المكسورة من النحس بالتسكين ضد السعد. يعني حيهم أعمى شقي. ومبلس اسم فاعل من الإبلاس وهو اليأس ومنه إبليس ليأسه من رحمة الله وهو أيضا الانكسار والحزن.
ووجه ذلك ظاهر; لأنهم إذا كانوا كافرين مارقين عن الدين عاملين لأنواع الفسوق والشرور كان حيهم أعمى البصيرة فاقد السريرة نجس العين كما قال سبحانه وتعالى: (إنما المشركون نجس) وميتهم مبلسا من الرحمة آيسا من المغفرة خالدا في الجحيم معذبا بالعذاب الأليم.
(فجاءهم) رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك الزمان الذي انكسر فيه دعائم الدين وانهدم بناء اليقين لهدايتهم إلى ما فيه صلاح حالهم في معاشهم ومعادهم وجذبهم عن اتباع الشهوات الباطلة واقتناء اللذات الزائلة.