شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٨٠
* الشرح:
(علي، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: سمعته يقول: ما من شيء إلا وفيه كتاب أو سنة) ولا يعرف ذلك إلا بأنوار عقلية وموهبة ربانية وأعمال بدنية ومجاهدات نفسانية ورياضات فكرية واستعدادات فطرية موجبة لانكشاف حقائق الأشياء وصور كلياتها وجزئياتها ومبادئها وغاياتها وظواهرها وبواطنها (1) كما هو طريقة الصديقين الرافضين عن ذواتهم جلابيب إلهيات البشرية المانعة عن مشاهدة أنوار الحضرة الربوبية، فخذوا أيها الناس ما تحتاجون إليه من معالم دينكم وغيرها من الكتاب والسنة، وارجعوا إلى أهلها إن كنتم لا تعلمون، ولا تقولوا مالا تعرفون ولا تتسرعوا إلى ما تفترون، فإن أكثر الحق فيما تنكرون ومن أنكر الحق إذا خالف طبعه أو نبا عنه فهمه أو سبق إليه اعتقاد ضده بشبهة أو تقليد أو قياس أو استحسان فهو من الخاسرين الذين خسروا أنفسهم في الدنيا والآخرة فما له في الآخرة من ولي ولا نصير.
* الأصل:
5 - علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن حماد، عن عبد الله بن

١ - هذا الكلام تعميم للعلوم المستنبطة من الكتاب والسنة بالنسبة إلى ما سبق، فإنه خص العلم سابقا بالعلوم الدينية وجعله هنا انكشاف حقائق الأشياء وصور كلياتها وجزئياتها، وهذا يخالفه بحسب ما يتراءى في بادي النظر، والحق عدم المنافاة بين الكلامين.
بيان ذلك: أن العلم إما جزئي، وإما كلي، ولا كمال في معرفة الجزئي من حيث أنه جزئي، ألا ترى أنه لا يهتم أحد بمعرفة أفراد الإنسان والنبات وعمدتهم معرفة الكلي، وقد يعتنى بالجزئي من حيث إنه يفيد فائدة كلية كعلم الرجال والتواريخ ومعرفة النجوم الثوابت، ثم الكليات مترتبة والعلم الكلي هو النظر في أصل الوجود مبدؤه وصفاته وغايته، فإذا عرفت ذلك كليا استغنى عن الجزئيات كما أن الطبيب إذا عرف أجزاء بدن الإنسان وكليات أمراضه وعلاجه استغنى عن تتبع الأفراد ولا كمال له في معرفتها، وكذلك من عرف الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد عرف حقيقة كل شيء وأنه مخلوق له وخلق لغاية وظاهرها ماهيتها وباطنها تعلقها بالمبدأ الواجب، وأما التفاصيل والجزئيات من علوم الدنيا فخارج عن مقصود الكتاب إلا أن الأولياء كلما كان علمهم بالواجب أتم كان علمهم بمخلوقاته أكثر وأعم، فإن العلم بالعلة يستلزم العلم بالمعلول، ألا ترى أنك إذا علمت زيدا جوادا غنيا علمت أنه يكثر منه الخيرات، وإذا عرفت أن بجنبه أهل بيت فقراء وهو عالم بهم أنه يعطيهم ويغنيهم عن المسألة، وإذا علمت عمرا ملحدا زنديقا علمت أنه لا يصوم رمضان في شدة الحر، كذلك من عرف الله تعالى عرف أفعاله من حيث إنه فعله ويختلف ذلك باختلاف المعرفة، ولا يبعد أن يكون بعض الأولياء عارفا بما كان وما يكون في الجملة باختلاف مراتبهم فعلا وقوة، فإن ادعى أحد أن ذلك حاصل لهم بالقرآن لم يكن مجازفا; إذ حصل لهم المعرفة بالله من القرآن. وبالجملة استفادة العلم بجميع حقائق الأشياء من القرآن خاص بالأولياء. (ش)
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»
الفهرست