(فالدنيا متهجمة (1)) أي متعبسة أو باكية أو شديدة أو يابسة جافة أو داخلة عنفا.
(في وجوه أهلها) من غير رضائهم بها لكونها غير موافقة لمقاصدهم لاشتمالها على كدورة العيش وقبح الأحوال لأن طيب العيش وحسن الأحوال لأهل الدنيا إنما يكونان مع وجود حاكم عادل بينهم حافظ لنظامهم، وقد كان ذلك الحاكم مفقودا في زمان الفترة خصوصا بين العرب.
(مكفهرة) اسم فاعل من اكفهر مثل اقشعر، أي عابسة قطوبة متغيرة في لونها غبرة لشدة غيظها من أهلها لما فعلوا بها من تخريبها.
(مدبرة غير مقبلة) إليهم لانقطاع زمانها وفساد نظامها بوقوع الهرج والمرج والقتال والجدال وسائر الأعمال القبيحة والأفعال الشنيعة فيها، وحمل المحمولات في هذه الفقرات الثلاث على الدنيا على سبيل التشبيه ووجه المشابهة ما يلزم المشبه والمشبه به عدم إمكان تحصيل المطلوب منهما، فإن مطلوب الطالب لا يحصل ممن عانده.
(ثمرتها الفتنة) أي الضلال عن سبيل الحق والتيه في ظلمة الباطل، وفيه استعارة مكنية وتخييلية بتشبيه الدنيا بالشجرة وإثبات الثمرة لها مع ما فيه من تشبيه الفتنة بالثمرة لكون الفتنة مقصودة من الدنيا عند أهلها كما أن الثمرة مقصودة من الشجرة.
(وطعامها الجيفة) قال شارح نهج البلاغة: يحتمل أن يكون لفظ الجيفة هنا مستعارا لطعام الدنيا ولذاتها ووجه المشابهة أنه لما كانت الجيفة عبارة عما نتن وتغيرت رائحته من جثة الحيوان وغيرها فخبث مأكله ونفر الطبع عنه كذلك طعام الدنيا ولذاتها في زمان الفترة أكثر ما يكون من النهب والغارة والسرقة ونحوها مما يخبث تناوله شرعا وينفر العقل منه وتأباه كرائم الخلق فأشبه ما يحصل من متاعها إذن الجيفة في خبثها وسوء مطعمها وإن كان أحد الخبيثين عقليا والآخر حسيا فاستعير لفظها له، وهو يحتمل أن يكنى بالجيفة عما كانوا يأكلونه في الجاهلية من الحيوان الغير