شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٩٣
(فالدنيا متهجمة (1)) أي متعبسة أو باكية أو شديدة أو يابسة جافة أو داخلة عنفا.
(في وجوه أهلها) من غير رضائهم بها لكونها غير موافقة لمقاصدهم لاشتمالها على كدورة العيش وقبح الأحوال لأن طيب العيش وحسن الأحوال لأهل الدنيا إنما يكونان مع وجود حاكم عادل بينهم حافظ لنظامهم، وقد كان ذلك الحاكم مفقودا في زمان الفترة خصوصا بين العرب.
(مكفهرة) اسم فاعل من اكفهر مثل اقشعر، أي عابسة قطوبة متغيرة في لونها غبرة لشدة غيظها من أهلها لما فعلوا بها من تخريبها.
(مدبرة غير مقبلة) إليهم لانقطاع زمانها وفساد نظامها بوقوع الهرج والمرج والقتال والجدال وسائر الأعمال القبيحة والأفعال الشنيعة فيها، وحمل المحمولات في هذه الفقرات الثلاث على الدنيا على سبيل التشبيه ووجه المشابهة ما يلزم المشبه والمشبه به عدم إمكان تحصيل المطلوب منهما، فإن مطلوب الطالب لا يحصل ممن عانده.
(ثمرتها الفتنة) أي الضلال عن سبيل الحق والتيه في ظلمة الباطل، وفيه استعارة مكنية وتخييلية بتشبيه الدنيا بالشجرة وإثبات الثمرة لها مع ما فيه من تشبيه الفتنة بالثمرة لكون الفتنة مقصودة من الدنيا عند أهلها كما أن الثمرة مقصودة من الشجرة.
(وطعامها الجيفة) قال شارح نهج البلاغة: يحتمل أن يكون لفظ الجيفة هنا مستعارا لطعام الدنيا ولذاتها ووجه المشابهة أنه لما كانت الجيفة عبارة عما نتن وتغيرت رائحته من جثة الحيوان وغيرها فخبث مأكله ونفر الطبع عنه كذلك طعام الدنيا ولذاتها في زمان الفترة أكثر ما يكون من النهب والغارة والسرقة ونحوها مما يخبث تناوله شرعا وينفر العقل منه وتأباه كرائم الخلق فأشبه ما يحصل من متاعها إذن الجيفة في خبثها وسوء مطعمها وإن كان أحد الخبيثين عقليا والآخر حسيا فاستعير لفظها له، وهو يحتمل أن يكنى بالجيفة عما كانوا يأكلونه في الجاهلية من الحيوان الغير

١ - بين (عليه السلام) الفوائد الدنيوية للدين الحنيف بذكر ما عليه أهل الجاهلية من أضداد تلك الفوائد، فإن النعم الدنيوية لا تتكثر إلا بسعي الإنسان في الزراعة والصناعة والتجارة ولا يسعى الإنسان إلا في الأمن والراحة وإذا علم أن ثمرة سعيه تكون له ولا يحيف عليه أحد بالجور والظلم، ولا يمكن دفع الظلم إلا بظهور معالم الدين والعمل بقوانين العدل ولم يكن شيء من ذلك في العرب بل في سائر الامم على اختلافهم فكل من كان ذا قدرة وسلطان كان يزعم أن له حقا في قتل من ينازعه وسلب من يخالفه ويريد أن لا يكون مانع عن انفاذ ما يريد ويبغض كل دين وحكم وقاعدة تمنعه من متمنياته وشهواته، وكان بين الروم والعجم وأتباعهم من سائر الامم حروب تتلظى بل بين قبائل العرب أيضا غارات معروفة وأيام معلومة ولذلك كانت الدنيا متعبة في وجوه أهلها. انتهى. (ش).
(٢٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 298 ... » »»
الفهرست