شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٨٨
نظامهم ليدبروا فيه ويشكروا الله بما استطاعوا، فأشار أولا إلى النعمة المذكورة ثم أردفها بالأحوال المذمومة التي تبدلت بتلك النعمة العظيمة.
(إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنزل إليه الكتاب بالحق) أي متلبسا بالحق، كما قال سبحانه: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) والحق خلاف الباطل.
(وأنتم اميون) أي جاهلون غافلون.
(عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله) في المغرب: الامي منسوب إلى امة العرب وهي لم تكن تكتب ولا تقرأ فاستعير لكل من لا يعرف الكتابة ولا القراءة، وفي النهاية: يقال لكل جيل من الناس والحيوان امة. وفيه: «إنا امة لا نكتب ولا نحسب» أراد أنهم على أصل ولادة امهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الاولى وقيل: الامي الذي لا يكتب، ومنه الحديث:
«بعثت إلى امة أمية»، قيل للعرب: الاميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة.
والمراد بالامي هنا من لم يعرف الكتابة والقراءة ولا شيئا من العلوم والحقائق ولم يحصل له معرفة الصانع وما يليق به ومعرفة الرسول وما جاء به والغرض تقيد إرسال الرسول وإنزال الكتاب بهذه الجملة الحالية هو إظهار كمال تلك النعمة ورفع توهم أن الرسول (صلى الله عليه وآله) تعلم الحقائق من البشر.
(على حين فترة من الرسل) والفترة ما بين الرسولين من رسل الله من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة والوحي، والإمام العادل الحاكم بين الناس وتلك حالة انقطاع الخير وموت النفوس بداء الجهل، والفترة بهذا المعنى تشتمل ما بين كل رسولين كالفترة بين إدريس ونوح (عليهما السلام) وبين نوح وهود (عليهما السلام)، وكانت ثمانمائة سنة وبين صالح وإبراهيم (عليهما السلام) وكانت ستمائة وثلاثين سنة ولكن العلماء إذا تكلموا في الفترة وأطلقوها يعنون بها ما بين عيسى (عليه السلام) ونبينا (صلى الله عليه وآله) وكانت خمسمائة سنة كما دل عليه بعض روايات أصحابنا، ونقل البخاري عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة (1)، وإنما قيد

١ - قول سلمان موافق للنصارى تقريبا، فإنهم يعدون بين الميلاد والهجرة ستمائة واثنين وعشرين سنة، وأما روايات أصحابنا فيحتمل أمرين:
الأول: عدم صحتها وسهو الراوي في نقلها عن الإمام (عليه السلام)، وهو الظاهر.
والثاني: عدم صحة قول النصارى وعدم ضبطهم تاريخ ولادة المسيح (عليه السلام) وغلطهم نحو مائة سنة، وهذا بعيد بل محال في بادىء النظر كما لا يحتمل أن يشتبه تاريخ الهجرة على المسلمين جميعهم وغلطوا ولا يكون سنتنا هذه في المائة الرابعة عشرة، بل في الثالثة عشرة مثلا، ومع ذلك فيمكن إبداء احتمال الغلط في تاريخهم في الجملة دون تاريخ المسلمين لأن المسلمين كانت لهم دولة وسلطان من مبدأ أمرهم وكان لهم دواوين الخراج وضبط الوقائع وكتب التواريخ وعناية تامة بامورهم بخلاف النصارى فإنهم كانوا في اضطهاد وضيق إلى ثلاثمائة سنة وكان ضبط الوقائع والتواريخ بل الحكومة والسلطان بيد المشركين، وكان تاريخهم تاريخ الإسكندر و «المجسطي» أدق كتاب بقي إلى الآن من المائة الثانية بعد الميلاد لم يذكر فيه شيئا من تاريخ النصارى مع أنه اعتمد على تاريخ الإسكندر وبخت نصر وشهور المصريين فلم تكن العناية بضبط تاريخ المسيحيين شديدة وتواترهم منقطع غير متصل من عهدنا إلى عهد المسيح (عليه السلام)، ولذلك تشكك في قتل المسيح وصلبه (عليه السلام) واختلف فيه أوائلهم وإن اتفق عليه أواخرهم ولو كان تواترهم متصلا لم يصح لنا إنكار صلبه، ولكن ليس لهم يقين بقتله كما قال تعالى: (وما قتلوه يقينا) ثم إن ما ذكرنا يقتضي غلطهم في الجملة لا نحو مائة سنة، بل نحو عشر وعشرين مثلا إذ اشتبه علينا تاريخ ولادة الشيخ بهاء الدين أو وفاة المحقق الكركي لم نغلط مائة سنة قطعا، وأما الغلط والاشتباه في الشهور فغير بعيد فقد ورد في كتاب تحف العقول: أن ولادة عيسى (عليه السلام) في النصف من حزيران والنصارى يقولون في الأربعة والعشرين من كانون الأول واشتبه علينا وفاة الصادق (عليه السلام) أنها في رجب أو في شوال والله العالم. (ش)
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»
الفهرست