نظامهم ليدبروا فيه ويشكروا الله بما استطاعوا، فأشار أولا إلى النعمة المذكورة ثم أردفها بالأحوال المذمومة التي تبدلت بتلك النعمة العظيمة.
(إن الله تبارك وتعالى أرسل إليكم الرسول (صلى الله عليه وآله) وأنزل إليه الكتاب بالحق) أي متلبسا بالحق، كما قال سبحانه: (وبالحق أنزلناه وبالحق نزل) والحق خلاف الباطل.
(وأنتم اميون) أي جاهلون غافلون.
(عن الكتاب ومن أنزله، وعن الرسول ومن أرسله) في المغرب: الامي منسوب إلى امة العرب وهي لم تكن تكتب ولا تقرأ فاستعير لكل من لا يعرف الكتابة ولا القراءة، وفي النهاية: يقال لكل جيل من الناس والحيوان امة. وفيه: «إنا امة لا نكتب ولا نحسب» أراد أنهم على أصل ولادة امهم لم يتعلموا الكتابة والحساب فهم على جبلتهم الاولى وقيل: الامي الذي لا يكتب، ومنه الحديث:
«بعثت إلى امة أمية»، قيل للعرب: الاميون لأن الكتابة كانت فيهم عزيزة أو عديمة.
والمراد بالامي هنا من لم يعرف الكتابة والقراءة ولا شيئا من العلوم والحقائق ولم يحصل له معرفة الصانع وما يليق به ومعرفة الرسول وما جاء به والغرض تقيد إرسال الرسول وإنزال الكتاب بهذه الجملة الحالية هو إظهار كمال تلك النعمة ورفع توهم أن الرسول (صلى الله عليه وآله) تعلم الحقائق من البشر.
(على حين فترة من الرسل) والفترة ما بين الرسولين من رسل الله من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة والوحي، والإمام العادل الحاكم بين الناس وتلك حالة انقطاع الخير وموت النفوس بداء الجهل، والفترة بهذا المعنى تشتمل ما بين كل رسولين كالفترة بين إدريس ونوح (عليهما السلام) وبين نوح وهود (عليهما السلام)، وكانت ثمانمائة سنة وبين صالح وإبراهيم (عليهما السلام) وكانت ستمائة وثلاثين سنة ولكن العلماء إذا تكلموا في الفترة وأطلقوها يعنون بها ما بين عيسى (عليه السلام) ونبينا (صلى الله عليه وآله) وكانت خمسمائة سنة كما دل عليه بعض روايات أصحابنا، ونقل البخاري عن سلمان أنها كانت ستمائة سنة (1)، وإنما قيد