ياء لكسرة ما قبلها. والجنات جمع الجنة وهي البستان من الاجتنان وهو الستر، سميت بذلك لتكاثف أشجارها وتظليلها بالتفات أغصانها واستتار أرضها لشدة الالتفات والإظلال.
(ويبس من أغصانها، وانتثار من ورقها، ويأس من ثمرها، واغورار من مائها) الضمائر المؤنثة راجعة إلى الرياض أو إلى الجنات شبه الدنيا بالجنات في اشتمالها على ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين، وأضاف المشبه به إلى المشبه من قبيل لجين الماء وذكر الرياض والأغصان والورق والثمر والماء ترشيحا لذلك التشبيه، أو شبه زينة الدنيا ولذاتها بالجنات في كثرة النفع وميل النفس.
واستعار لفظ الجنات للمشبه على سبيل الاستعارة التحقيقية وذكر الأغصان وأخواتها ترشيحا للاستعارة، وأراد بالرياض نضارة عيش الدنيا وطراوته وحسن رونقه. وبالأغصان متاع الدنيا وزهراتها المنتجة لتلك النضارة، وبالورق ما يوجب زيادة زينتها من الملك والدولة وما يلزمه من الحصول على طيبات الدنيا وحفظ متاعها وثمراتها كما أن الورق موجب لزيادة زينة الشجرة وحافظ لثمرتها من الحر والبرد. وبالثمر التمتع والانتفاع بمتاع الدنيا إذ كما أن المقصود من الشجر غالبا هو التمتع والانتفاع بثمرتها كذلك المقصود من متاع الدنيا وهو التمتع والانتفاع به، وبالماء المكاسب والتجارات والصناعات وغيرها; إذ هي مادة لتحصيل متاع الدنيا ووجوده كما أن الماء مادة للشجرة وبه حياتها وقوامها في الوجود. وعنى باصفرار الرياض تغير نضارة العيش عن الامم سيما عن العرب في ذلك الزمان وفقد طراوته كما يذهب حسن الرياض باصفرارها ولا يقع الالتذاذ بالنظر إليها. وبيبس الأغصان بطلان منافع متاع الدنيا وعدم انتاجه نضارة العيش. وبانتثار الورق انقطاع آمال العرب وغيرهم من الملك والدولة بصرصر البليات وسقوطها بهبوب رياح النكبات.
وباليابس من ثمرها انتفاء التمتع بمتاع الدنيا. وباغورار الماء عدم تلك المواد واندراس طرق المكاس كل ذلك لشدة الجور وكثرة الظلم في البلاد وانتشار الجهل والفساد في العباد وارتفاع النظام العدلي والقانون الشرعي بين الامم وانقطاع الفلاح والصلاح من بني آدم.
(قد درست أعلام الهدى) المراد بها كل ما يمكن أن يهتدى به إلى طريق الحق. وقال شارح نهج البلاغة: كنى بها عن أئمة الدين وكتبه التي يهتدى بها لسلوك سبيل الله، وبدروسها عن موت اولئك أو خفائهم أو زوال الكتب الإلهية المنزلة لهداية الخلق أو تحريفها.
(فظهرت أعلام الردى) وهي كل ما يؤدي إلى الهلاك والضلال ومنها أئمة الجور والعادلين عن الحق الداعين إلى النار.