شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٨٥
رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رحم الله موسى بن عمران لوددت أن لو صبر ولو صبر لرأى عجائب كثيرة» (1)، وكذا لا تسألوا عن غير ذلك من منازلكم في الآخرة ومن أنسابكم وغيرهما مما لا يعنيكم وذلك نحو ما روي عن ابن عباس أنه (عليه السلام) كان يخطب ذات يوم غضبان من كثرة ما يسألون عنه مما لا يعنيهم فقال: «سلوني لا اسأل عن شيء إلا وأجبت» فقال رجل: أين أبي؟ فقال: في النار، وقال عبد الله بن حذافة وكان يطعن في نسبه ويدعى لغير أبيه: من أبي؟ قال: «أبوك حذافة بن قيس»، وقال آخر: من أبي؟ قال: «أبوك فلان الراعي» فنزلت الآية (2)، وقد أشار إليه سيد الوصيين أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: «إن الله افترض عليكم فرائض فلا تضيعوها وحد لكم حدودا فلا تعتدوها ونهاكم عن أشياء فلاتنتهكوها وسكت لكم عن أشياء ولم يدعها نسيانا فلا تتكلفوها» (3).
وقال بعض أصحابنا: يندرج في هذا النهي تكلم أكثر المتكلمين الذين يخوضون في البحث عن صفات الله وأفعاله وآياته وكلماته بمجرد اعتقاده ورأيه أو باتباعه من اشتهر في هذه الصنعة (4) فإن من أراد أن يعرف خواص أسرار المبدأ والمعاد بهذه الصيغة المسماة بعلم الكلام فهو في خطر عظيم; إذ طريق معرفة الله والسبيل إلى عجائب ملكوته وأسرار كتبه ورسله شيء آخر، ومن تمسك بغيره فهو في حجاب كثيف وخطر شديد.

١ - راجع تفسير ابن كثير ج ٣، ص ٩٧، نقله عن ابن جرير من حديث ابي بن كعب بنحوه.
٢ - أخرج نحوه ابن مردويه كما في الدر المنثور ج ٢، ص ٣٣٥.
٣ - النهج - قسم الحكم والمواعظ: تحت رقم ١٠٥.
٤ - طريق العلم باصول الدين إما كلياتها مجملا كالتوحيد وصفات الواجب والنبوة وصدق النبي ودلالة المعجزة عليه وأمثال ذلك فهو العقل لا غيره، وأما التفاصيل والكيفيات ودفع الشبهات فقد يتمسك فيها بالعقل، وقد يتمسك بنصوص من ثبت حجية قوله والعقل من حجج الرحمن، ودل على ذلك ما سبق في الكتاب الأول من الآيات والأحاديث فليس ذم علم الكلام من جهة أخذه من العقل كما يتوهمه أهل الحديث وليس أيضا ترغيبا في أخذ الاصول التي يعتبر فيها اليقين من الأحاديث المظنونة إذ لا يتولد اليقين من الظن ولا يفيد في ذلك كون الظن في عرفهم علما بل النهي عن الكلام وذمه متوجه إلى من يتعصب للمذاهب الباطلة والتجشم لتصحيحها كما نرى من تعصب من الأشعرية في تصحيح ما نقل عن رئيسهم في الكلام النفسي والكسب والجبر والقدر لأن رئيسهم كان خبيرا بمذاق العوام وأوهامهم فاخترع امورا تقرب إلى ذهنهم وإن كان مخالفا للعقل مثل تعظيم القرآن في نفوس العوام اقتضى أن يقال كلام الله قديم فصرح به وقبل منه العوام وأنكروا على من قال: هو حادث وكفروه بأنه توهين للقرآن وإن كان هذا مخالفا للعقل، وكذلك قوله: بأن كل شيء بإرادة الله وليس للناس اختيار رآه الأشعري أقرب إلى أذهان متعبدي العوام من أن يقال: إن فعله بإرادته لا بإرادة الله فتعصب أتباعه له واخترعوا أقوالا منكرة تجشما، ولا يدل ذلك على توهين أمر العقل وعدم حجية الدلائل المأخوذة منه، ولعلنا نتكلم في ذلك في موضع أليق إن شاء الله تعالى. (ش)
(٢٨٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 280 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 ... » »»
الفهرست