فمات قال: «قتلوه ألا سألوا فإن دواء العي السؤال» (1)، وعنه (عليه السلام) أيضا: «إنما يهلك الناس لأنهم لا يسألون» (2); لأن السؤال عن القدر الضروري مطلوب وعن الزائد على ذلك مذموم منهي عنه; لأنه موجب لملال العالم وتضجره ومقتض لتضييع السائل عمره فيما لا يعنيه بل يضره، وفي قصة موسى والخضر (عليهما السلام) تنبيه على المنع من السؤال قبل أوانه إذ قال: (فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى احدث لك منه ذكرا) فلما وقع السؤال مرارا من غير موقعه لم يصبر عنه حتى قال:
(هذا فراق بيني وبينك)، وقد وقع النهي عن كثرة السؤال من طرق العامة أيضا قال عياض:
وقيل: يعني بكثرة السؤال التنطع في المسائل وكثرة السؤال عما لا ينفع ولا تدعو الحاجة إليه وسؤال الناس أموالكم وكان السلف ينهون عنهم، وقد يراد بها سؤال الناس له (صلى الله عليه وآله) عما لم يؤذن في السؤال عنه لقوله تعالى: (لا تسألوا عن أشياء...) الآية.
وفي الصحيح: «أعظم الناس جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته»، وقد يعني بها سؤال الرجل عن حاله ونسبه وتفاصيل أمره فيدخل بذلك الحرج عليه إما بكشف ما لا يرد كشفه لضرورة السؤال وبالكذب إن ستر ذلك عنه وأخبر بخلافه، وبالخفاء وسوء الأدب إن ترك الجواب عنه، انتهى كلامه.
(فقيل له: يا بن رسول الله، أين هذا من كتاب الله؟) سأل سائل عن مدارك هذه الامور الثلاثة ومواضعها من كتاب الله تعالى تعلما وتفهما لا تعنتا لقوله (عليه السلام): «إذا حدثتكم بشيء فاسألوني من كتاب الله».
(قال: فإن الله عز وجل يقول: (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)) هذا مأخذ للأول. والنجو السر بين الاثنين، يقال: نجوته نجوا، أي ساررته، وكذلك ناجيته مناجاة وانتجى القوم وتناجوا أي تساروا وانتجيته أيضا إذا خصصته بمناجاتك.
والاسم النجوى والنجي على فعيل، والمناجي المخاطب للإنسان والمحدث له، والنجوى وإن كان إسما من النجو لكنه قد يقع موقعه ويستعمل مصدرا، والمعروف كل ما يستحسنه الشرع ولا ينكره العقل، وقد فسر هاهنا بالقرض وإغاثة الملهوف وصدقة التطوع وغير ذلك، قيل: استثناء الموصول من النجوى غير واضح، واجيب عنه بوجوه ثلاثة:
الأول: أن المراد بالنجوى المناجي أي لا خير في كثير من مناجيهم إلا من أمر بصدقة.