علم شيئا من ذلك فقد أخذه من مشكاة النبوة، ومن لم يعلمه وجب عليه الرجوع إليهم، فإن لم يقدر وجب عليه السكوت فإن السكوت عند حيرة الجهالة خير من الاقتحام في مهاوي الضلالة.
(وجعل لكل شيء حدا) يعني جعل لكل شيء مما يحتاجون إليه من الأحكام والأخلاق والأعمال والعدل المتوسط (1) بين الإفراط والتفريط، وغير ذلك من أحوال المبدأ والمعاد والحشر والنشر حدا معينا ووضعا مقدرا لا يجوز التجاوز عنه والحد في الأصل المنع وفعله من باب طلب ثم سمي الحاجز بين الشيئين حدا تسمية بالمصدر ومنه حدود الحرم وحدود الدار وقولهم لحقيقة الشيء: حد لأنه جامع مانع ومنه أيضا حدود الله تعالى للأحكام الشرعية، لأنها مانعة من التجاوز عنها إلى ما ورائها (تلك حدود الله فلا تعتدوها).
(وجعل عليه دليلا يدل عليه) يعرفه العالم بالنصوص الإلهية والبراهين الربانية والرموز القرآنية ولا يعلم جميع ذلك إلا الأوصياء (عليهم السلام)، فمن اعتمد في شيء من ذلك على رأيه فقد ضل وأضل، ويحتمل أن يراد بالدليل النبي والأئمة صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين; وقيل: المقصود أنه جعل لكل من الحقائق العلمية والأحكام الشرعية حدا، أي معرفا تاما يوجب تصوره بكنهه أو بوجه يمتاز عن جميع ما سواه وجعل عليه دليلا وبرهانا يوجب التصديق بوجوده في نفسه، فالحد وما يجري مجراه في التصورات والدليل ما يجري مجراه في التصديقات.
(وجعل على من تعدى ذلك الحد حدا) من العقوبة ولم يترك تحديد عقوبة المتعدي حتى ذكر حد الخدش واللطم وأنواع الضرب والشتم ونتف الشعر وأمثال ذلك، ولا يعرف حقيقة تلك الحدود وكميتها وكيفيتها ومواضعها إلا الراسخون في العلم، وقيل: جعل على المتعدي حدا آخر