وغلط الخبيث في هذا القياس من وجوه:
الأول: أنه استعمل القياس في مقابل النص، وهذا لا يجوز قطعا.
الثاني: أنه قاس نفسه بآدم، وآدم مركب من جوهرين: أحدهما هذا البدن المحسوس المركب من العناصر الأربعة الغالب فيه الجزء الأرضي، وثانيهما الجوهر النوراني الروحاني المضاف إليه سبحانه، أعني النفس الناطقة التي هي إنسان حقيقي كما قال: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)، وأخذ الجزء الأول وجعله مناطا لقياسه، فكان المناسب أن يقول: خلقتني من نار وخلقته من نار وغيرها وحينئذ لو قال: النار أشرف من المركب من النار وغيرها لتوجه المنع لجواز أن يكون للمركب آثار وخواص غير محصورة لا توجد في شيء من أجزائه التي أحدها النار.
الثالث: ما أشار إليه (عليه السلام) وهو: أنه جعل ما ليس علة للمزية والشرف علة لهما، فإن استحقاق آدم للسجود له ليس لأجل هذا البدن المركب من الطين وغيره بل إنما هو للجزء الآخر الذي هو سر من أسرار الله ونور من أنواره، أعني نورية النفس المجردة، وهذا العمل منه إما لكون شأنه المغالطة والمخادعة كما هو الآن، أو لعدم علمه بحقيقة هذا الجوهر وآثاره وخواصه; إذ لو علمها وقاس هذا الجوهر الذي خلق الله منه آدم والروح الذي هو نور رباني تستضيء به السماوات والأرض وينكشف ما في عالم الملك والملكوت بالنار لعرف أن الفضل والكمال والشرف والجلال إنما هو لآدم لأن ذلك الجوهر أكثر نورا وأعظم ضياء من النار، إذ النار وإن كثر ضؤوها واشتد نورها لا يدرك بها إلا ما كان في فرسخ أو أقل مع أنها آلة لا شعور لها وبنور ذلك الجوهر يدرك ما في عالم المجردات والماديات والموجودات والمعدومات.
وفي الحديث مناقشة لأن آخره وهو قوله: «فلو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم بالنار» لا يناسب أوله، وهو قوله: «قاس نفسه بآدم»; إذ المناسب له أن يقال: فلو قاس الناس بالجوهر الذي