شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٦٨
وترجيح الأول بتحقق حكم الأصل في الفرع باطل; إذ لا طريق للعقول الناقصة إلى معرفة علل الأحكام الشرعية والمصالح الدينية ولو علم خصوص العلة فكونها مؤثرة بالاستقلال أو باشتراك خصوصية الأصل متساويان، وترجيح أحدهما على الآخر أشد من خرط القتاد (1).
(ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم) حيث تعليل للمضادة وبيان لها; لأن من أحل وحرم في دين الله بمجرد هواه من غير علم فقد ضاد الله ونازعه في دينه فأحل ما حرم الله وحرم ما أحل الله، وينتج هاتان المقدمتان أن من أفتى الناس برأيه فقد ضاد الله بوضعه دينا آخر مخالفا لدين الله تعالى.
* الأصل:
18 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الحسين بن مياح، عن أبيه، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «إن إبليس قاس نفسه بآدم فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، ولو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم (عليه السلام) بالنار كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار».
* الشرح:
(محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن يقطين، عن الحسين بن مياح) بفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحت والحاء المهملة أخيرا.
(عن أبيه) هو وابنه ضعيفان غاليان في مذهبهما، قيل في بعض النسخ: الحسين بن جناح، عن أبيه، وهو جناح بن رزين بالجيم والنون من أصحاب أبي عبد الله (عليه السلام)، ذكره الشيخ في كتاب الرجال.
(عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: إن إبليس) أبلس من رحمة الله أي يئس، ومنه سمي إبليس، وكان اسمه عزازيل.
(قاس نفسه بآدم فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين، ولو قاس الجوهر الذي خلق الله منه آدم (عليه السلام) بالنار كان ذلك أكثر نورا وضياء من النار) خالف إبليس النص الصريح حيث أمره الله تعالى بالسجود لآدم وعارضه بالقياس فقال: أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين، يعني أن النار المضيئة أشرف من الطين المظلم، فأنا أشرف وأفضل من آدم لأن تكوني من النار وتكونه من الطين (2)، والأشرف كيف يسجد للأخس؟ والأفضل كيف يخدم المفضول؟ بل العكس أولى،

1 - الخرط: هو قشر الورق عن الشجر اجتذابا بالكف. والقتاد: شجر له شوك أمثال الإبر.
2 - كان إبليس من الماديين يزعم أن شيئية الأشياء بمادتها، ويدل الحديث على مذهب أهل الحق وأن الشيء بصورته، وبيان ذلك: أن الشيء قد تتغير مادته مع بقاء صورته كالإنسان من أول عمره إلى آخره يتبدل مرارا وهو هو، وقد تتغير صورته مع بقاء مادته كجسد الإنسان بعد موته يصير دودا أو حشرات وليست هي الإنسان الأول، فالإنسان إنسان بصورته وإن كان له شرف وفضل على إبليس فذلك بصورته التي هي نفسه لا بمادته الطينية كما أن العقاقير والأدوية والمعادن لها خواص وآثار لصورتها لا لمادتها، فلو جزئت إلى عناصرها الأولية لم تكن لها تلك الخواص وقالوا: إن الخمر مركبة من الماء والكربون، أي الفحم بنسبة معلومة ولو شرب أحد الماء والكربون بتلك النسبة لم يسكر مع أن مادة الخمر فيها، ولو قطع يد السارق بعد سبع سنين لم يكن ظلما وإن كانت هذه اليد ليست تلك اليد السارقة قبل سبع سنين مادة، ولو عذب أحد الدود والحشرات المخلوقة من بدن العاصي لم يكن محقا مصيبا; لأن تلك الحشرات ليست هي الإنسان الذي عصى وإن كانت من مادته.
وبالجملة: فالمادة يجب أن لا ينظر إليها في هذه الامور أصلا، واللعين إبليس كان على خلاف ذلك وهو ملهم الماديين. وفي هذا الحديث أيضا دلالة على أن النور يطلق على النور العقلي المجرد الذي هو روح الإنسان وعقله وهو أشد ضياء من وهم إبليس، ويزال منه استبعاد ما ورد في بعض أحاديث الآخرة من منبر النور والناقة من النور. وما يقال: كيف يمكن للإنسان أن يجلس على النور وتحمله الناقة من النور؟ وكيف يحصر النور في صورة الجسم؟ والجواب: كما يحصر النور في الإنسان وهو عقله. (ش)
(٢٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 273 ... » »»
الفهرست