بلغني أنك تقيس؟) وتستخرج الأحكام بالرأي.
(قال: نعم، قال: لا تقس فإن أول من قاس إبليس حين قال: خلقتني من نار وخلقته من طين، فقاس ما بين النار والطين) واعتقد لطف جوهره وشرافة أصله ونورانيته وكثافة جوهر آدم وخساسة أصله وظلمانيته ونظر إلى آدم على هذه الخلقة وهي هيئته التي وقع عليها خلقته الظاهرة، فلذلك فضل نفسه على آدم قياسا للفرع على الأصل في الشرف والخسة فكأنه قال: أنا ناري وهو طيني، والناري أفضل من الطيني; لأن النار أفضل من الطين.
(ولو قاس نورية آدم) التي كانت العلوي الرباني الذي فاض عليه بأمره سبحانه.
(بنورية النار) التي تكون منه ذلك المتعصب الخبيث.
(عرف فضل ما بين النورين وصفاء أحدهما على الآخر) لأن نسبة الاولى إلى عالم التوحيد وعالم المعارف والمجردات كنسبة نور الشمس إلى عالم المحسوسات والماديات يضيء بها ذلك العالم كما يضيء بنور الشمس هذا العالم كيف لا وهي مشتقة من نور ربها يعرف ذلك من استغرق في بحار التوحيد وتزين بهيئة التجريد؟ ونسبة الثانية - أعني نورية النار - إلى عالم الماديات كنسبة السراج إليها لا يضيء بها إلا ما حولها وإنما لم يتمسك اللعين بهذا القياس لقصور بصيرته عن إدراك ذلك النور ومعرفة حقيقته وآثاره، أو لأن طغيان حسده بعثه على التمسك بالشبهات الفاسدة والوهميات الكاذبة والمقدمات السفسطية التي لا تفيد إلا شكا وغرورا.
فإن قلت: هذا الحديث والحديث السابق إنما يدلان على بطلان بعض أفراد القياس وهو ما وقع فيه الغلط باعتبار المادة والعلة لا على بطلان أصل القياس بالكلية فعلى هذا لو كانت مقدمات القياس صحيحة جاز التمسك به مثل ما وقع فيهما من القياس المقابل لقياس الشيطان (1).