شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ٢٧٤
(فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون)، وقال: (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فاولئك هم الخاسرون)، وقال:
(يوم يفر المرء من أخيه * وامه وأبيه * وصاحبته وبنيه * لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)، وقال: (ولا تتخذوا من دون الله وليجة)، وقال: (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة والروايات الصحيحة، فإن بعضها يدل على أنه ينبغي للمؤمن أن يتكل في اموره على الله تعالى لا على ما يتخيل أنه وسيلة لها من الأسباب، وبعضها يدل على أنه يجب عليه أن لا يفتخر بالقرابة والأنساب ولا يتعصب لها، وبعضها يدل على أن الاشتغال بالأهل والمال عن ذكر الله بعيد عن الصواب، وبعضها يدل على أنه ينبغي له أن لا يتخذ وليجة ومعتمدا من دون الله رب الأرباب، وبعضها يدل على أنه يجب عليه الاجتناب من الظلم والافتراء على الله تعالى في جميع الأبواب، ومن جملة ذلك الاعتماد في امور الدين على أهل الجور والطغيان والتمسك في الأحكام بالقياس; لأنه اتخاذ وليجة من دون الله وافتراء عليه بالكذب.
(إلا ما أثبته القرآن) فإن كل ما أثبته القرآن من العقائد والأحكام والأخلاق والمواعظ والنصائح والزواجر ثابتة أبدا ومنافعها باقية غير منقطعة بانقطاع الدنيا وفناء الأبدان ومفارقة النفس عنها، فيجب على المؤمن الطالب للحياة الأبدية والخيرات الدائمة الاخروية والنجاة من العقوبات الروحانية والبدنية صرف العمر في تحصيل مطالبه ومقاصده من الكتاب وأهلة بالجملة: الإنسان في أول الفطرة خال عن الحالات كلها قابل مستعد لها، وتلك الحالات إما متعلقة بالامور الدنيوية فقط أو متعلقة بالامور الاخروية، ولكل منهما علل ومعدات ومنافع وغايات وعلل الاولى ومعداتها ومنافعها وغاياتها تنقطع بانقطاع الدنيا وفناء الأبدان كانقطاع حالاتها، سواء كانت تلك الامور جائزة أو باطلة، كالافتخار بالنسب والتعصب والتمسك بالبدعة والشبهة إلى غير ذلك من الامور الدنيوية المضرة في الآخرة.
وعلل الثانية ومعداتها ومنافعها وغاياتها تستمر وتبقى أبد الأبد كبقاء الآخرة وعدم انقطاعها، وتلك الحالات وعللها ومنافعها كلها قد أثبتها القرآن فوجب على المؤمن الرجوع إليه، لكن بعضها ظاهر يدركه أرباب العقول الفاضلة وبعضها باطن لا يدركه إلا أصحاب العصمة (عليهم السلام)، فلا بد للمؤمن الطالب للحق من رفض الحالات الاولى كلها والتمسك بالحالات الثانية والرجوع فيما لا يعلم منها إلى أهل العلم، سواء كان من اصول العقائد أو فروعها (1).

1 - لكن يرجع في الاصول إلى العلماء للتعلم بالدليل وفي الفروع للتقليد. (ش)
(٢٧٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 269 270 271 272 273 274 275 276 277 278 279 ... » »»
الفهرست