حكمه في غير ذلك المحل لجواز أن يكون لذلك الغير حكم آخر معلل في نفس الأمر بعلة اخرى لا يعرفونها، ولم يرد أن الأحكام ليس لها علل وأسباب حتى يسأل عنها كما هو مذهب الأشاعرة القائلين بأنه تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد من غير باعث وعلل تقتضيها لأن هذا باطل عند أهل الحق، والله أعلم.
* الأصل:
17 - علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثني جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أن عليا صلوات الله عليه قال: «من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس، ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس»، قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): «من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم، ومن دان الله بما لا يعلم فقد ضاد الله حيث أحل وحرم فيما لا يعلم».
* الشرح:
(علي بن إبراهيم، عن هارون بن مسلم، عن مسعدة بن صدقة، قال: حدثني جعفر، عن أبيه (عليهما السلام) أن عليا صلوات الله عليه قال: من نصب نفسه للقياس لم يزل دهره في التباس) فاعل لم يزل ضمير الموصول ودهره منصوب على الظرفية، أو فاعله دهره، والدهر الزمان الطويل، وإضافته إلى ضمير الموصول تفيد أن المراد به مدة عمره، والدهر أيضا الهمة والإرادة، والمعنى من أقام نفسه للعمل بالقياس واستخراج الأحكام به كان مدة عمره في التباس الجهالات واختلاط الشبهات، أو كانت همته وإرادته منحصرة في التباس وتخليط بين الحق والباطل وجمع شبهات; لأن القياس لا يفيد إلا جهلا مركبا.
(ومن دان الله بالرأي لم يزل دهره في ارتماس) أي من أطاع الله وعبده بالرأي وتقرب إليه من جهة العمل بالأحكام القياسية والاستحسانات العقلية كان مدة عمره مرتمسا في بحار الظلمة والجهالة ومنغمسا في آجن الشبهة والضلالة التي تحيط بها كإحاطة الماء بالغائص باعتبار استخراج الأحكام بالقياس لأنه يلتبس عليه الامور ويشبه عليه الحق والباطل، والارتماس باعتبار العمل بتلك الأحكام.
(قال: وقال أبو جعفر (عليه السلام): من أفتى الناس برأيه فقد دان الله بما لا يعلم) لأن الرأي لا يفيد علما ولا ظنا، أما الأول فظاهر، وأما الثاني فلأن كون حكم الله تعالى في الفرع ما أفاده الرأي أو غيره سيان