ونظرنا إلى ما هو أوفق الأشياء لذلك الحكم فنأخذ به ونجريه في ذلك الذي ورد علينا كما هو دأب أرباب القياس.
(فقال: هيهات هيهات!) أي بعد ما تأخذون به بهذا التصرف والتدبير عن حكم الله تعالى، أو بعد الفرار من الباطل والبدعة في الدين، وأتى به مكررا للتأكيد والمبالغة في الزجر عنه، ثم بالغ فيه وحث على الفرار منه بقوله:
(في ذلك، والله هلك من هلك يا بن حكيم) ذلك إشارة إلى التصرف المذكور واستعمال القياس، و «في» للظرفية أو للسببية، وتصدير الجملة بالقسم لرفع شك المخاطب بمضمونها لكونه سائلا مترددا فيناسبه التأكيد كما هو المقرر في العربية، وإن كان (عليه السلام) صادقا مصدقا في كل ما يقول، والمراد بالهلاك العقوبات الأبدية الاخروية، وعبر عنها بلفظ الماضي لتحققها بسبب تحقق سببها فكأنها حاصلة في الدنيا أيضا إلا أنه لا يراها أرباب البصائر القاصرة، وتقديم الظرف يدل على أن المستحق للهلاك منحصر في هذا الصنف ولا يبعد ذلك لأن كل من خرج عن دين الحق فقد قاس عليه الباطل، ثم رجح الباطل وأخذ به ولزمه ذلك وإن لم يشعر به.
(قال: لعن الله أبا حنيفة كان يقول: قال علي وقلت) هذا يحتمل وجوها:
أحدها: أنه جعل كلامه (عليه السلام) أصلا وقاس عليه أمرا آخر، وشاركه في الحكم لعله قياسية.
وثانيها: أنه رد حكمه (عليه السلام) بحكم قياسي اخترعه من عنده.
وثالثها: أنه قال علي بالقياس وقلت أنا أيضا بالقياس، سواء كان القياسان متوافقين في الحكم أو متخالفين فيه، وهذا أبعد الاحتمالات لشيوع إنكار القياس عنهم (عليهم السلام) بحيث يعلم كل من له أدنى مسكة أن من نسب القول بالقياس إلى أحدهم افتضح عند العامة والخاصة بالكذب والافتراء.
وهذا الحديث صريح في أن أبا حنيفة كان يعتقد بالقياس ويعمل به، وفي هذا الباب روايات اخر دلالتها عليه أظهر، وهو المشهور من مذهبه، فما نقل عنه أنه قال: أما ميزان الرأي والقياس فحاش لله أن يعتصم به، ومن زعم من أصحابي أن ذلك ميزان المعرفة فأسأل الله أن يكفيني شره عن الدين فإنه صديق جاهل وهو شر من عدو عاقل، فهو ليس بمعتبر، وقد نقله أيضا بعض أصحابنا وقال:
يفوح منه رائحة التشيع (1).