له خلاف ما أضمر، والغش بالكسر الاسم منه، والمغشوش الغير الخالص، والغشش محركة الكدر المشوب، و «كم» اسم ناقص مبهم مبني على السكون مخبر عن التكثير، وما بعده مميز له مخفوض للإضافة، ولأنه في التكثير نقيض رب في التقليل وهو مع مميزه في محل الرفع على الابتداء، و «مستغش» خبره، والمعنى كثيرا ممن يستنصح الحديث ويصحح ألفاظه وعباراته عن الأغلاط والأسقام ويحفظ حروفه وكلماته عن توارد الشكوك والأوهام ويخلصها عن شوائب القصور في مر الدهور ويصدق به ويعمل بما فيه ويتفكر في معانيه وزواجره ويستخرج رغائب كنوزه وذخائره ويتمسك بمقتضى نواهيه وأوامره يستغش الكتاب ويتخذه مهجورا ويترك روايته وحفظه (1) كأنه لم يكن شيئا مذكورا ولا يرعاه حق رعايته، ولا يتوجه إلى فهم معناه ودرايته، ولا يتأمل في غرضه وغايته، فلا جرم يكون نور بصيرته في إدراك مقاصده كليلا، ولا يجد إلى فهم مطالبه دليلا، ولا إلى التوفيق بينه وبين الحديث سبيلا، فهو متحير في تيه الضلالة، وحائر في سبيل الجهالة، وواله في أودية البطالة; لأنه ترك الأصل وتمسك بالفرع وأفسد الثمرة وتشبث بالشجرة.
(فالعلماء يحزنهم ترك الرعاية) في النهاية: حزنه أمر أي أوقعه في الحزن، يقال: الأول لغة قريش، والثاني لغة تميم، وإنما يحزنهم ذلك لأن نفوسهم كاملة وعقولهم فاضلة وقلوبهم مائلة إلى حضرة القدس وجناب الحق ومنازل القرب فغاية همهم ونهاية قصدهم هو التخلص من العلائق النفسانية والتحلي بالفضائل الروحانية برعاية ما نطقت به الآيات القرآنية والروايات النبوية من الحلال والحرام والقصص والعبر والأخلاق والوعد والوعيد ثم العمل به على وجه يوجب قرب الحق ورضاه ويورث نور القلب وصفاه حتى يستحقون له بذلك كمال القوتين العلمية والعملية ورئاسة الدارين الدنيوية والاخروية، فلا جرم يحزنهم ترك التفكر والعمل والرعاية وعدم العلم والفهم والدراية في الدنيا لعلمهم بما يوجب ذلك الترك من وخامة العاقبة وسوء الخاتمة، وفي الآخرة لمشاهدتهم فوات ما يترتب على الرعاية من الأجر الجميل والثواب الجزيل.
(والجهال) كذا في أكثر النسخ المعتبرة، وفي بعضها: «والجهلاء».