والكهنة من الأجر والرشوة على أعمالهم، يقال: حلوته أحلوه حلوانا فهو مصدر كالغفران ونونه زائدة وأصله من الحلاوة. وفي بعض النسخ: فهو لحلوائهم هاضم بالهمزة بعد الألف والحلواء بالمد والقصر ما يتخذ من الحلاوة، والجمع الحلاوي، والمقصود على النسختين أنه يأكل ما يعطونه من أموالهم ولذيذ أطعمتهم وأشربتهم شبيها بالأجر لأجل عمله، وهو تملقه لهم وتواضعه إياهم كما هو دأب الأخساء وشأن الأذلاء.
(ولدينه حاطم) أي كاسر، من حطمته إذا كسرته; لأنه باع دينه بدنياهم، بل بلقمة يأكلها من مائدتهم تبعا لحكم قوته الشهوية الدنية، وإفراده الضمير في قوله: «ولدينه» متفق عليه في نسخ هذا الكتاب على ما اريت ورأيت أيضا في كلام بعض المتأخرين نقلا لهذا الحديث و «لدينهم حاطم» بضمير الجمع، وله أيضا وجه ظاهر; لأن فعله ذلك يحملهم على الحرام وهو إعطاء الرشوة لأجل ما يتوقعون منه عند الضرورة وإعطاء أجر الخدعة والتواضع، أو على استهانتهم للدين الذي هم متدينون به إذ ارتكاب العالم للقبائح يهونها في أعين الناس ويوجب ارتكابهم لها على أتم الوجوه.
(فأعمى الله على هذا خبره) أي أخفى خبره، من عمي عليه الخبر أي خفي، مجاز من عمى البصر، كذا في المغرب، ففي الكلام استعارة تبعية أو جعل خبره متلبسا بحيث لا يعرفه أحد من عمي عليه الأمر التبس أو رمى خبره من هذا العالم من عمي الموج - بالفتح - يعمي عميا إذا رمى القذى والزبد، وقيل: خبره بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة، أي علمه يعني أزال الله عنه نور بصيرته العلمية لئلا يتميز بين الحق والباطل ولا يهتدي إلى الحق أبدا، ولا ينتفع بعلمه في الدنيا والآخرة.
(وقطع من آثار العلماء أثره) الأثر بالتحريك ما بقي من رسم الشيء بعده، يعني قطع الله من بين آثار العلماء التي تبقى بعدهم في الدهور، وتدل على كمال علمهم وفضلهم وتوجب اشتهارهم وحسن ذكرهم أثر هذا الرجل الملق المخادع المستطيل على مثله من العلماء المتواضع لمن دونه من الأغنياء حتى لا يبقى له بعده ما يدل على علمه وفضله، ويحتمل أن يكون كناية عن إهلاكه لأن إزالة أثره وذكره من بين آثار العلماء وذكرهم يستلزم إهلاكه، وإنما دعا على هذين الصنفين بالإذلال والفناء لأن مقصودهما من طلب العلم هو الدنيا، وطلب العزة والاعتبار بين الناس حتى فعلا ما فعلا مما لا يليق بالعالم، فدعا عليهما بأن يترتب على فعلهما ما هو نقيض مقصودهما، أعني الهوان والإذلال، وبأن يفنيهم الله تعالى لتخلص الدين وأهله من شرهما; لأنهما من أعاظم المنافقين واخوان الشياطين وضررهما يعود إلى العلماء الربانيين بل إلى جميع المسلمين، ومن كان وجوده كذلك كان عدمه أولى منه.