شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٩٢
الأعمال ومنافعها ومنافع الآخرة والعامل لها على وجه البصيرة مع الخوف والخشية (1)، والمقصود أنه يحشره في زمرة الفقهاء وينزله في مرتبتهم ويثيبه بمثابتهم من غير تفاوت، والمقصود أنه معدود يوم الحشر من جملة الفقهاء والعلماء وإن كان بينهم تفاوت في الدرجات باعتبار التفاوت في الحالات (2) ومضمون هذا الحديث مستفيض مشهور بين الخاصة والعامة (3)، بل قال بعض أصحابنا بتواتره ونقله ابن بابويه في الخصال بطرق متعددة متكثرة مع اختلاف يسير في اللفظ والأحاديث المذكورة في هذه الرواية التي يترتب على حفظها الجزاء المذكور وإن كانت مطلقة شاملة لما يتعلق بالامور الدينية مثل الاعتقادات والعبادات والأخلاق وما يتعلق بالامور الدنيوية كسعة الرزق والأطعمة والأشربة ونحوها، لكن المراد بها هو القسم الأول لتقييدها في بعض الروايات بما يحتاجون إليه في أمر دينهم مثل ما رواه الصدوق في الخصال عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن علي بن إسماعيل، عن عبيد الله بن عبد الله، عن موسى بن إبراهيم المروزي، عن الكاظم موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من حفظ على امتي أربعين حديثا فيما يحتاجون إليه في أمر دينهم بعثه الله عز وجل يوم القيامة فقيها عالما».
والقاعدة تقتضي حمل المطلق على المقيد، وإبقاء المطلق على إطلاقه أيضا محتمل، والمراد بحفظها ضبطها وحراستها عن الاندراس ونقلها بين الناس والتفكر في معناها والتدبر في مغزاها، والعمل بمقتضاها، سواء حفظها عن ظهر القلب ونقشها في لوح الخاطر أو كتبها ورسمها في الكتاب والدفاتر، وقال بعض الأصحاب: الظاهر أن المراد بحفظها الحفظ عن ظهر القلب فإنه كان متعارفا معهودا في الصدر السالف; إذ مدارهم كان على النقش في الخاطر لا على الرسم في الدفاتر.
وفيه: أن الحفظ أعم من ذلك والتخصيص بلا مخصص وما ذكره للتخصيص ممنوع; إذ كتب الحديث في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) (4) وعهد أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بعده من الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) معروف

1 - أشار بذلك إلى ما تكرر ذكره من أن الفقه في اصطلاح الأئمة (عليهم السلام) كان شاملا لجميع علوم الدين لا خاصا بالفروع، على ما هو متعارف في زماننا. (ش) 2 - يعني لا يمكن أن يكون الحافظ لأربعين حديثا من جميع الجهات مساويا لمن عرف خمسين ألف أو أكثر. (ش) 3 - أخرجه ابن عدي في الكامل من حديث ابن عباس وأنس، وابن النجار من حديث أبي سعيد الخدري، وفيه: «كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة».
4 - ولكن لم تكن عادة في عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وإنما كان يتفق نادرا. وفي اسد الغابة: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما فتح مكة خطب خطبة فقام رجل من أهل اليمن يقال له: أبو شاه، فقال: يا رسول الله، اكتبوا لي فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «اكتبوا لأبي شاه» فقيل للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لأبي شاه؟ قال: يقول: اكتبوا له خطبته التي سمعها، انتهى بتخليص. وممن كتب: أبو رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نقله النجاشي في أول فهرسته وفي عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) زيد بن وهب الجهني فإنه أول من كتب وجمع خطبه (عليه السلام) في الجمع والأعياد. (ش)
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست