شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٢ - الصفحة ١٩٣
وأمرهم بالكتابة مشهور يظهر كل ذلك لمن تصفح الروايات وقال بعضهم: المراد بحفظها تحملها على أحد الوجوه المقررة في اصول الفقه، أعني السماع من الشيخ والقراءة عليه والسماع حال قراءة الغير والإجازة والمناولة والكتابة. وفيه: أن تحملها على هذه الوجوه اصطلاح جديد (1)، فحمل كلام الشارع عليه بعيد على أنه لم يثبت جواز تحملها بالثلاثة الأخيرة (2).
وقال الشيخ بهاء الملة والدين (رحمه الله): الظاهر من قوله: «من حفظ» ترتب الجزاء على مجرد حفظ الحديث، وأن معرفة معناه غير شرط في حصول الثواب، أعني البعث يوم القيامة فقيها عالما، وهو غير بعيد، فإن حفظ ألفاظ الحديث طاعة كحفظ ألفاظ القرآن، وقد دعا (صلى الله عليه وآله) لناقل الحديث وإن لم يكن عالما بمعناه كما يظهر من قوله (عليه السلام): «رحم الله امرءا سمع مقالتي فوعاها فأداها كما سمعها فرب حامل فقه ليس بفقيه ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه» (3)، ولا بعد أن يندرج يوم القيامة بمجرد حفظ اللفظ في زمرة العلماء «فإن من تشبه بقوم فهو منهم».
هذا كلامه، واورد عليه (4): بأن كون حفظ ألفاظ الحديث طاعة يقتضي أن يكون للحافظ أجر

١ - والأصل فيه العامة وتبعهم أهل الحديث من الشيعة الإمامية، والعجب أن الإخباريين يطعنون في طرية المجتهدين بأنهم أخذوا اصولهم واصطلاحاتهم من العامة مع أن دأب المحدثين أيضا كان ذلك، والحق أنه لا ضير في أخذ الاصطلاح ولا المصطلح إذا كان حقا مؤيدا بالدليل. (ش) ٢ - وهي الإجازة والمناولة والكتابة، وفي تحمل الرواية بها إشكال لاستلزامه الكذب ظاهرا، فإن معنى التحمل أن يستحق المتحمل ويستأهل لأن يقول حدثني فلان، والظاهر من هذا الكلام أنه شافهه مع أنه لم يشافهه بالحديث بل بالإجازة أو المناولة أي بإعطاء كتابه إياه أو بالكتابة. نعم إذا صرح بذلك جاز كقوله: أخبرني إجازة والأظهر عندي أن لفظ حدثني وأمثاله خرج في عرف المحدثين ونقل إلى معنى يشمل الإجازة ولا ضير فيه لوضوح المراد. (ش) ٣ - رواه الترمذي في السنن ج ١٠، ص ٢٥، وفيه: «نضر الله عبدا» وكذا رواه الحسن بن علي بن شعبة الحراني في تحف العقول ص ٤٢، والبغوي في مصابيح السنة ج 1، ص 22.
4 - المورد هو صدر المتألهين (قدس سره) وكذلك كثير مما يعتنى به من تحقيقات الشارح مقتبس منه (قدس سرهما) فكفى بالرجل فخرا أن يليق بالاستفادة من ذلك العلم العيلم والبحر الخضم الذي حارت دون إدراك فضله عقول اولي الهمم، ومع ذلك فلا أرى كثير فرق بين كلام الشيخ بهاء الدين وتلميذه الصدر (قدس سرهما); إذ لا يدل كلام الشيخ على تساوي المحدث والعالم من كل وجه، بل مراده التشابه بينهما في الجملة; لأنه استشهد بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله): «رحم الله امرءا سمع مقالتي» انتهى، وعد المحدث من المتشبهين بالعلماء فهو بمنزلة العطار وتاجر العقاقير يجمعها للطبيب حتى يستعملها فيما يفيد، وعلى العطار أن يميز بين الدواء الجيد والرديء. (ش)
(١٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 198 ... » »»
الفهرست